+ A
A -
بدأت قمة المناخ الـ23 قبل أيامٍ في مدينة بون الألمانية بدعواتٍ مؤثّرة، لاسيما من رئيسها رئيس الوزراء الفيجي (فرانك باينيماراما)، الذي دعا إلى التحرك بصورة عاجلة لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري (احترار الغلاف الجوي)، وذلك في أول لقاء من نوعه منذ إعلان الانسحاب الأميركي من اتفاق باريس حول المناخ. وتشارك الولايات المتحدة في القمة، رغم إعلان الرئيس دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق، في قرار لا يدخل حيز التنفيذ قبل عام 2020.
فعلى مدى سنواتٍ طويلةٍ، مازالت البشرية جمعاء، تُعاني من مُشكلة وظاهرة الانبعاث الحراري على سطح الأرض، وتأثيرات تلك الظاهرة على المناخ والطبيعة. وقد عَقَدَت الأمم المتحدة أكثر من مؤتمر عالمي حول التحوّلات المناخية القسرية الجارية على الأرض وفي غلافها الجوي، كان آخرها في باريس في الثاني عشر من ديسمبر 2015. حيث ناقش المؤتمر اتفاقية باريس حول التغيّرات المناخية. وأوراق مؤتمر (كيوتو) وفق النصوص التي جرى الاتفاق عليها من قبل (195) جهة شاركت في صياغتها، على أن يُصبح مضمونها مُلزماً إذا وافقت عليه ما لا يقل عن (55) دولة تُشكّل انبعاثاتها من الغازات، التي تتسبب بالاحتباس الحراري (55%)، مما ينبعث من هذه الغازات عالمياً، حيث تم التوقيع على الالتزام في نيويورك الفترة الواقعة بين أبريل 2016 وأبريل 2017.
يُشار هنا، إلى أن المُعدل الوسطي لدرجة حرارة الأرض، والمقصود كامل اليابسة والمحيطات، وفق السلم المئوي للقياس يبلغ (15) درجة مئوية، بينما يبلغ على سلم كالفن (288) درجة. وقد شَهِدَ عام 2014 ارتفاعاً في درجة حرارة الأرض بمقدار (0.69) درجة مئوية عن معدل درجة الحرارة لسنوات القرن العشرين، وهو رابع أعلى ارتفاع على مدى (135) سنة منذ عام 1880، والسبب الرئيسي في ذلك يعود بالطبع إلى ظاهرة الاحترار الجوي، والاستهلاك المفرط لمصادر الطاقة الأحفورية التي يحترق منها كل يوم على سطح المعمورة نحو (20) مليون برميل من الطاقة الأحفورية (النفط + الغاز) عدا الفحم الحجري، وبالتالي في انبعاث الغازات الناتجة، وهو ما أسماه علماء الفيزياء بظاهرة (الإنتروبيا) قبل أكثر من مائة عام، ووضع في حينها العالم الألماني (لودفيغ بولتزمان) المعادلة الشهيرة التي تربط بين متحولات الحالة لتلك الظاهرة.
وعليه، إن من أسباب الاحتباس الحراري الرئيسية، تأتي ظاهرة الاستخدام المُفرط للطاقة الإحفورية (الفحم الحجري + النفط السائل + الغاز)، والى الاستهلاك المُفرط الذي يصل إلى أقصى مستويات التبذير والإسراف، سواء أكان على مستوى استغلال الطبيعة، أم على مستوى الاستهلاك الفردي والجماعي للسلع، واستخدام الطاقة في العديد من دول العام وخاصة منها الدول الصناعية الكبرى كالولايات المتحدة والصين الشعبية.
إن من يتحمل تلك المسؤولية الكبرى في نشوء ظاهرة (احترار الغلاف الجوي) مجموع البشرية بأسرها، وبالأخص منها الدول الصناعية الكبرى، التي تَعَمل على توفير أكبر استغلال للطبيعة بزيادة الإنتاج وإلى حد تأمين استهلاك إلى حد الإشباع وليس سد الحاجة، وبالتالي الذهاب إلى استنزاف الطبيعة إلى حدّ يفوق احتمالها وتجدّد مكوناتها. وقد دخل استهلاك الطاقة واستنزافها، في هذا السياق اللاعقلاني حدوداً قصوى، مما استولد ظاهرتَيْ التلوث واحترار الغلاف الجوي (الاحتباس الحراري) نتيجة لانبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون بمستويات تتهدّد المناخ، وإلى حدود تتهدّد الحياة والوجود البشري والحيوان والنبات وما سينجم بين المرحلتين من كوارث طبيعية.
وخلاصة القول، تُعتبر القمة إياها هامة جداً لجهة وضع التصورات العملية للتخفيف من حدة احترار الغلاف الجوي، فالتحديات عالية، والمطلوب أن تحقق الدول الصناعية الكبرى ما وعدت به، بل كذلك أن تلتزم بالمزيد، وأن تعمل على الاستثمار في الطاقات المتجددة البعيدة عن الانبعاث الحراري، وبالتالي يتحتم على هذه القمة الـ23 إحرازِ تقدمٍ في شأن قواعد تطبيق اتفاق باريس، وهي مرحلة فنية إلى جانب كونها سياسية بامتياز.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
10/11/2017
2625