+ A
A -
النظام الأميركي له خصوصية فريدة، ليست متاحة على هذا النحو في أي نظام آخر، بما في ذلك دول أوروبا الغربية، فهو قائم على وجود نخب من الخبراء المتخصصين، كل منها تتربع على قمة قطاع من قطاعات المجتمع على تنوعها – السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، أو ما يتعلق بعلم النفس بفروعه المختلفة. وتعتبر كل نخبة في قطاعها بمثابة القيادة التي توجه تفكير القطاع، وكيلا عن الرأي العام، أو بديلا عنه بالمعنى الدقيق، وحيث لا يتمتع الرأي العام بالنفوذ العملي على مؤسسات الدولة، كما هو الحال في الديمقراطيات الغربية.
هذه النخب، تكاد تكون متفرغة للبحث والنقاش، في التفاصيل محل اهتمامها، وعلى ضوء هذا الواقع الأميركي الفريد. وشغلت النخبة الاجتماعية مؤخرا بموضوع السماح قانونا للأفراد، ليس فقط بحمل السلاح، بل بتخزينه، حتى وصل الأمر إلى قيام أفراد بامتلاك ترسانات أسلحة في بيوتهم.
وقد دفع إلى فتح ملف هذه الحالة، حادث تفريغ مواطن أميركى أبيض في لاس فيجاس، سلاحه في صدور أبرياء من مواطنيه، فقتل منهم 58 شخصا، وأصاب 500.
عندئذ اتسعت دائرة تشخيص الواقعة إلى ما يتجاوز كونها حادث عنف، أو جريمة قتل. وهو ما شغلت به مراكز بحوث، ومعاهد وكليات أكاديمية، منها مراكز تابعة لجامعة هارفارد، وجامعات أخرى شهيرة. والتي رصدت الأبعاد الأوسع مدى للحادث، والتي وصفتها بأنها تعود إلى الثقافة الأميركية المتوارثة. والقوى ذات النفوذ على توجهات الدولة، وأبرزها جماعات المصالح وقوى الضغط.
إن مرتكب حادث لاس فيجاس المدعو ستيفن بادوك، اختزن في بيته ما يشبه ترسانة عسكرية، يفعل ذلك تحت عين القانون. واتضح أن بادوك قام منذ عام 1982 بتخزين أسلحة وصلت إلى خمسين قطعة سلاح ناري، وأن ذلك تم بطريقة مشروعة، حسب ما يسمح به القانون. إذ لا يوجد في القانون الفيدرالي ما يمنع أي فرد من شراء أي عدد من البنادق في نفس اليوم. وفي ولاية نيفادا التي وقع الحادث في إحدى مدنها، لا يوجد في القانون نص يوقف أي فرد من التجهيز لجريمته، والتي كانت ترسانة الأسلحة الخاصة ببادوك كفيلة بتهيئة ذهنه لارتكابها.
الدراسات قدرت أن أعدادا كبيرة من الأميركيين، ماتوا قتلى برصاص البنادق منذ عام 1968، بلغت مليونا ونصف مليون شخص، وهم أكثر عدد مما فقدته أميركا في جميع حروبها. ولم يتوقف التحريض الذاتي الناتج عن الشعور بحرية امتلاك السلاح واستخدامه، على قتل آخرين، بل وصل إلى استخدام المسدسات في عمليات انتحار، بأرقام تزيد بنسبة 30% عن الحال في بريطانيا، مثلا. وبلغ عدد قتلى الأسلحة النارية لسهولة حملها، إلى مقتل 93 أميركيا يوميا.
إحدى الدراسات أشارت إلى أن الارتفاع في مشتريات السلاح في الفترة الأخيرة، دفع كثير من متوسطى العمر، إلى تكوين مخازن شخصية في بيوتهم.
وبالرغم من أن التقديرات ذكرت أن الأميركيين يقتنون 256 مليون قطعة سلاح، فإن هذا يعنى وجود أكثر من قطعة سلاح لدى الفرد الواحد. وأن في حوزتهم أكثر من 40% من الأسلحة، التي يستحوذ عليها الأفراد في العالم.
دراسات أخرى شخصت الحالة بأن الثقافة الأميركية، التي تعتبر الكاوبوي حامل السلاح، رمزا قوميا، قد تكون مسؤولة بدرجة ما عن اقتناء البيض للسلاح الناري.
يبقى بعد ذلك نفوذ اللوبي الداعم لحمل البنادق، والذي يعد من أشد قوى الضغط نفوذا في الولايات المتحدة، خاصة تأثيره على أعضاء الكونجرس. وكما ذكر «معهد بيو» لاستطلاعات الرأي أن 80% من الأميركيين صوتوا في عام 2015 لصالح إصدار قانون لمنع حمل السلاح عن أي شخص يشتبه في قدراته العقلية، بينما أيد 70% حرية حمل السلاح الناري دون قيود، وهو العام الذي شهد أكثر من 40 عملية قتل جماعي بالرصاص.
وكان حاكم ولاية نيفادا برايان ساند قد أعلن في عام 2003، تأييده لصدور قانون يلزم من يبيع السلاح، بالتأكد من أهلية من يشتريه، من حيث تاريخه وسلوكه. وبالرغم من كثرة المطالب بعد كل عملية قتل جماعي، بإصدار قانون يقيد حرية حمل السلاح الناري، إلا أن ذلك كان يقابل دائما، بمعارضة شديدة، من كثيرين، من الذين يرون أن حمل السلاح حق طبيعي للمواطن الأميركي. وهو ما اعتبره البعض فشلا أميركيا، ومأساة تتجاوز كل الحدود.
بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
08/11/2017
2293