+ A
A -
• ليس الخطـأ دائماً نحويـاً أو صرفياً أو عروضياً إذا تضمنت المقالـة شـعراً، بل قـد يكون ركاكة في التعبير، متضمنة خطأ نحوياً. كاتب مخضرم كان يتحدث عن شاعري العراق الأشـهر جميـل صدقي الزهاوي ومعـروف الرصافي، ومن المعـروف أن العـداوة دامت بينهما حتى آخر العمر، قال الكاتب «كان يكره أحدهما الآخر» لاحظوا الركاكة، فأين هو «اسـم» كان و«خبرها»؟ ونفهم من الجملة أن أحدهما كان يكره الآخر، فمن أحدهـما ومن الآخر؟ ويقصد الكاتب أن كلاً منهما كان يكره الآخر، فلماذا لم يقل هذا ببساطة؟
• قلنا كثيـراً إن العتب على قدر العلم أو ادعائه. هذا كاتب وشـاعـر وباحث وناقد منذ أكثر من خمسـين سـنة ينقـل بيتين يقـول إنهما للشـاعـر الصعلوك «تأبط شـرّاً» فيقـع في جملة أخطاء: البيتان ليسـا لـ«تأبط شـرّاً» وليسـا في ديوانه، وفي كتب جامعة عـدة ورد البيتان بعـد القـول «وقال رجـل من نهـد» وهي إحدى القبائـل العربيـة، ومنها الشــاعـر العاشـق المشهورعبد الـلـه بن العجلان النهدي. وهذا هـوالبيت الأول كما أورده الكاتب:
إذا لـم أزر إلا لأكــل أكـلــة
فلا رفعت كفي إلى طعامي
والبيت بهذا الشكل مكسور، وهو من البحر الطويل، والسـبب أنه أثبت «لأكل» وهي في الأصل «لآكل»، وقال «إلى طعامي» وهذا خطأ أيضاً والصحيح «إلي» وكم نبهنا إلى هذا الخطأ الإملائي الذي قد يؤدي إلى كارثة لغوية، وهو إثبات الألف المقصورة «ى» مكان الياء.
قال في العنوان «حكميات» ولا معنى لهذه الكلمة، والحكمة معروفة وجمعها «حِكم»
• بعض المقالات كارثة لغوية، إذ لا يعقل أن تغص المقالة بعدد من الأخطاء التي لا يجوز أن يقع فيها طالب في أول المرحلة الثانوية مثل «فكان الواقع مختلف» لماذا ليس مختلفاً؟ أليس اسـم كان؟ ويعلـم أن زواج (زواجاً: اسـم أن) آخر يعني مصاريـف إضافيـة ومهـر جديد (مهراً جديداً: معطوف على مفعول به) يشـكرها ويمضي كل منهم (منهما) لعالمـه (إلى عـالمه) الخاص. وتبلـغ المأســاة ذروتهـا حين يخطئ الكاتب إملائيـاً: «فـيغـلق باب الغرفـة ورائه» (وراءه) يا هذا، إذا كنت لا تعرف قواعد الهمزة المتوسطة، فكيف تدعي أنك كاتب؟ وكيف تنشر الصحيفة مثل هذه المآسي؟
• هو كاتب وباحث وناقد ومترجم، ولكنه كثيراً ما يكتب في السياسة، قرأت له مقالة يقول فيها «لم تشـهد مقداراً من الإدقاع والتهافت والابتذال، فضلاً عن القحة وانحطاط التفكير وبذاءة الحجة واستنقاع العقل، مدانياً لهذه المنظومة السياسية - الأخلاقية».
تلاحظون أن لغة الأدب غلبت الكاتب، فما معنى الكلمات التي كتبها؟ الإدقاع: من الفعل «دقع» ودقـَع الرجل وأدقع: لصـق بالتراب فـقراً وذلاً، وأدقع: افتـقر. التهافت: من الفعل «هفـَـت» وهـفت الشيء تطاير لخفـته، وانخفض واتضـع، أي أصبح وضيعاً، وتذكرون كتاب الإمام الغزالي «تهافت الفلاسـفة» الذي رد عليه ابن رشـد بكتاب «تهافت التهافت» الابتذال من الفعل «بذَل» والبذْل: ضد المنع، ولكن ابتذال الثوب: امتهانه، أي الثياب التي لا يهتـم لابسـها بها، لأنها مما يسـعى بـه في بيته. و«القِـحَة» من الفعـل وقـُح الرجل: أي صار بلا حياء، أي هي «الوقاحة» وهو وقِح. أما «استنقاع» فمن الفعل «نقع» والنقـْع هو الماء الناقع، أي الذي لا يجري، ومنه المستنقع، وهذا مصطلح جديد: استنقع، أي تحول إلى مستنقع.
هـذه لغة راقـية جداً طربت لهـا، ولكنني أسـأل صديقي الكاتب: كم من قـراء الصحيفـة اليومية سيفهمون هذه المصطلحات؟
• كم مرة يجب أن نعـيد شـرح الفعل اللازم والمتعدي؟ وكم مرة يجب أن نكرر شـرح المتعدي نفسه والمتعدي بحرف الجر؟ المتعدي بنفسه أيها الكتاب هو الذي يصل إلى مفعـولـه مباشـرة، والمتعـدي الآخر يحتـاج إلى حـرف جـر، والمتعدي لا عـلاقـة له بالعدوان والاعتداء، إن هذا من دروس اللغة في الإعدادية، فهل ثمة كاتب لم يدرس الإعدادية؟ أقـول قولي هـذا وأنا أقرأ عنواناً لكاتب صحفي منذ أكثر من نصف قرن يقول «الحوار الذي عودنا على الدم» وتعدية فعل «عوّد واعتاد وتعوّد» بحرف الجر «على» من اللغة العامية، وهي كثيرة الورود في كتابات الصحفيين، ويبدو أن هؤلاء لم يعودوا إلى المعجم يوماً، ولا إلى أمهات الكتب، ولا إلى شعر الفحول. ومثل هذا فعل «أدمن» وهو فعل يتعدى بنفـسـه، وقد قرأته عشـرات المرات عند بعض الكتاب متعدياً بحرف «على» وهذا من العامية أيضاً. عيب والـلـه أن يخطئ كاتب بعد نصف قرن من الممارسة مثل هذا الخطأ.
• من أبسط قواعد النحو قاعدة اشتقاق اسم الفاعل من الفعل الثلاثي والرباعي والمزيد، وهو من الثلاثي على وزن «فاعل» ما عدا حالات قليلة شاذة (كتب: كاتب، برع: بارع، سهر: ساهر، نصر: ناصر) أما من الرباعي والمزيد فإننا نأخذ مضارع الفعل، ونقلب الحرف الأول ميماً مع كسر ما قبل الآخر (أكرم: مكرم، شجّع: مشجع، تكلم: متكلم، اجتمع: مجتمع).
أشهر الأخطاء في هذا المجال استخدام البعض «ملفت للنظر» لأنه اشتقاق من الفعل «ألفت» وليس في المعجم فعل كهذا، إنما هو «لافت» من فعل «لفت»، ومثله ما يكتبه بعضهم «الراسل» وهو اشتقاق من الفعل «رسل» لكن الفعل الصحيح رباعي «أرسل» ويكون اسم الفاعل منه «مرسل».
وقرأت في مقالة لكاتب شهير«القوي الماسك بزمام المبادرة» والصحيح «الممسك» لأنه اشتقاق من الفعل «أمسك». وقرأت لكاتب آخر «والفاسحين المجال» اشتقاقاً من الفعل «فسح» بثلاث فتحات، وهذا صحيح معجمياً: فسح له في المجلس، أي وسّع له، ومع ذلك أفضل أن أقول «المفسح» اشتقاقاً من الفعل «أفسح» لأنه أشهر بين العامة والخاصة.
• كتب أحدهم «معطيات كثيرة تشير إلى تغيّر بيِّن» هذا كلام فصيح مائة في المائة ولا غبار عليه، ولكن! أليسـت كلمة «بيّن» صعبة قليلاً على القارئ العادي؟ ألم يكن يسـتطيع القول: تغيّر واضح؟
• كتب أحدهم «أين هو ذاهب» هذه ترجمة فصيحة للقول: إنت رايح فين؟ ولا علاقة لها بالفصحى، بل نقول: إلى أين يذهب؟
• أحد كتاب إحدى الصحف الخليجية متبحر في اللغة العربية، وهي عدته الأساس في معظم ما يكتب، أشترك وإياه في عشق اللغة والدفاع عنها، كتب في مقالة مؤخراً «النظام العربي الذي يخضم خيار السلام الاستراتيجي» وتوقفت عند الفعل «يخضم» هذا هو المضارع من فعل «خضم» ولا بد من ضبط الفعل بالحركات وإلا صعب على الجميع قراءته (خضِمَ يخضَم خضْماً) والخضم: الأكل عامة، وقيل: مَلْءُ الفم بالمأكول، والخضم للإنسان بمنزلة القضْم للدابة، قال الشاعر يهجو أنصار مصعب بن الزبير:
رجَوا بالشِقاق الأكلَ خضْماً فقد رضُوا
أخيراً منِ اكْلِ الخضْمِ أن يأكلوا قضْما
هذا كلام شديد الفصاحة، ولكنني أسأل صديقي الكاتب: كم من القراء سيعرفون معنى ما كتب؟ بل كم منهم سيعرفون قراءة الفعل قراءة صحيحة؟ لا أعتقد أنه كان عاجزاً عن المجيء بفعل أسهل، أو أن يعيد صياغة الجملة كلها بطريقة أبسط.
بقلم : نزار عابدين
copy short url   نسخ
07/11/2017
2172