+ A
A -
مفاجأة سعد الحريري الاستقالة من رئاسة الحكومة اللبنانية كان لها وقع الزلزال. لم يتوقعها أحد حتى قبل ساعات قليلة من إعلانها. لا من الحلفاء ولا من الأخصام. وكان الحريري نفسه قد دافع بشراسة عن حكومته وما اعتبره محاولات افتراء عليها وقرصنة لإنجازاتها خلال كلمة ألقاها في بيروت قبل يوم واحد من استقالته.
وكان يؤكد دوما على عمق العلاقة والتفاهم مع رئيس الجمهورية ميشال عون. غير ان المثير واللافت هو الحركة التي ميزت نشاط الحريري المكوكي في الأيام الأخيرة من والى السعودية. فقد غادر إلى الرياض في بداية الاسبوع الماضي والتقى هناك ولي العهد محمد بن سلمان ووزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، المكلف ايضا شؤون الملف اللبناني، والذي كثف مؤخرا بشكل لافت تصريحاته و«تغريداته» ضد «حزب الله»، وعاد في اليوم التالي إلى بيروت نافيا أي ضغط سعودي عليه، مؤكدا ان المملكة تدعم الاستقرار في لبنان وما يقرره اللبنانيون (أي ما يقرره هو؟!). علما ان العلاقات لم تكن على احسن ما يرام في الفترة الاخيرة بين الطرفين نتيجة خلافات، بعضها يعود لأسباب مالية وبعضها لعدم رضا الرياض عن النهج الذي سلكه مؤخرا.
وترأس يوم الخميس جلسة لمجلس الوزراء حاول خلالها إصلاح ذات البين بين وزير الداخلية نهاد المشنوق (من تياره) ووزير الخارجية جبران باسيل رئيس «التيار الوطني الحر» (العوني) مستضيفا الاثنين إلى مائدة الغداء. علما أن السجال الذي استفحل بين الاثنين كان على خلفية الخلاف حول إعادة العلاقة مع النظام السوري وقيام باسيل بلقاء وزير خارجية بشار الأسد في نيويورك بقرار ذاتي.
كان الحريري يحاول جاهدا التأكيد على الانسجام داخل الحكومة رغم ان الخلافات على المشاريع والصفقات وقانون الانتخاب، وعلى بعض الخيارات السياسية تزداد يوما بعد يوم... وعاد الجمعة مجددا إلى الرياض ليعلن صباح السبت استقالته المفاجئة والمدوية. طفح الكيل يبدو لسان حاله!. كان في سباق مع الوقت محاولا التوفيق بين مواقفه السياسية وتمرير ما أمكن من مشاريع وصفقات، بناء على التسوية-الصفقة التي قضت بتأييده انتخاب عون رئيسا للجمهورية مقابل عودته إلى رئاسة الحكومة.
فيما البعض يقول طفح كيل السعودية التي تشعر انها خدعت باتفاق كان يراد له ان يبعد عون عن «حزب الله» ليتموضع أقله في الوسط داخليا واقليميا، فباركت عندها السعودية الاتفاق وأوفدت أمير مكة للتهنئة، ثم استقبلت عون في اول زيارة له إلى الخارج، واذ برئيس الجمهورية يتقرب من المحور الإيراني، ويؤكد في كل مناسبة الحاجة إلى سلاح «حزب الله» معللا ذلك بضعف قدرات الجيش اللبناني.
تراكمات الأشهر الأخيرة وضعت الحريري بين فكي الضغط الخارجي الاقليمي (الإيراني-السعودي) والابتزاز الداخلي، وتحديدا «العوني». كابر وحاول السير بين النقاط، واذ بمستشار خامنئي للشؤون الدولية علي اكبر ولايتي يعرج على بيروت متوجها إلى دمشق، ويعلن من السراي الحكومي بعد لقائه الحريري ان «محور المقاومة انتصر في اليمن والعراق وسوريا ولبنان» وانه سيستعيد الرقة التي زارها السبهان قبل أسابيع محتفلا بتحريرها... هل انها القشة التي قصمت ظهر البعير!
استقال أم أجبر على الاستقالة؟ مهما يكن من أمر فإن الإعلان عنها من الخارج، وتحديدا السعودية، لا يخدم صورة رئيس حكومة لبنان.
ولكن الاستقالة وضعت لبنان على كف عفريت ودفعته نحو المجهول. فليس معلوما ما اذا كان الحريري سيعود إلى لبنان لأنه يخاف على حياته كما قال في بيان الاستقالة، متهما إيران و«حزب الله» بمحاولة السيطرة على لبنان، وتأليف حكومة جديدة يبدو مسألة في غاية التعقيد، ان لم تكن مستحيلة. ربما لن يتجرأ احد من الشخصيات السنية على تحمل المسؤولية في مثل هذه الظروف، ومخالفة شبه الإجماع السني الذي عملت عليه السعودية وحققته استقالة الحريري.
فماذا سيفعل رئيس الجمهورية؟ وهل احتدمت المواجهة السعودية-الإيرانية؟ البقاء من دون حكومة سيحرم «حزب الله» من غطاء سياسي شرعي داخلي.
بقلم: سعد كيوان
copy short url   نسخ
07/11/2017
2597