+ A
A -
في طفولتي كانوا يجمعوننا في باحة المدرسة في الثاني من نوفمبر، ويلقي أحد المعلمين كلمة لا نفهم الكثير منها، ويكتبون لأحد التلاميذ كلمة يدربونه على إلقائها، وترسخ في أذهاننا استنكار الوعد المشؤوم، واحتجنا إلى سنوات طويلة لنعرف أن المقصود «وعد بلفور» وإلى سنوات أخرى لنعرف بلفور ومضمون الوعد.
وكانوا «يشحنون» الفلاحين من قراهم إلى المدينة للمشاركة في المظاهرة استنكاراً لوعد بلفور، وكان أحد الشباب المتعلمين (ربما معلم المدرسة الوحيد) يقف في مقدمة الشاحنة ويهتف «فليسقط وعد بلفور» فيرد عليه الفلاحون «فليسقط واحد من فوق»، هؤلاء فلاحون بسطاء أميون، فما عذر شباب أجرت قناة تليفزيونية فلسطينية استطلاعاً بينهم فلم يعرفوا بلفور ووعده المشؤوم؟
ما زال اليهود أقلية في العالم (13.4 مليون حسب إحصاءات إسرائيلية عام 2010) ولكنهم متضامنون بشكل غريب، وقد أدركوا مبكراً أن منبع قوتهم العلم والمال والصحافة (الإعلام والسينما فيما بعد) وجماعات الضغط (اللوبي) وقد حققوا هذا كله بنجاح، فماذا فعل العرب والفلسطينيون خلال الأعوام المائة؟
كانت بريطانيا تستعمر فلسطين بما سُمي «الانتداب» وبحكم هذا الواقع سهلت هجرة اليهود بتسارع كبير إلى فلسطين، وأعطتهم الأراضي الحكومية التي ورثتها من العثمانيين، وسهلت لهم التغلغل في المجتمع، والتوسع في الاستيطان، كما سهلت لهم تشكيل العصابات المسلحة بل سلحتها في بعض الأحيان، يطالب الفلسطينيون والعرب بريطانيا اليوم بالاعتذار عن وعد بلفور، وماذا فعلتم سوى الشجب والاستنكار والتظاهر؟
قد لا يعرف كثيرون أن الثورة الكبرى في فلسطين (1936 – 1939) قامت بعد استشهاد القائد العربي عز الدين القسام، وفي 23/5/ 1939 أقرالبرلمان البريطاني ما عرف باسم «الكتاب الأبيض» الذي يقول حرفياً: «إن حكومة صاحب الجلالة تعتقد أن واضعي نصّ وعد بلفور لم يقصدوا أن تتحول فلسطين إلى دولة يهودية ضد إرادة السكان العرب فيها، لذلك فحكومة صاحب الجلالة تعلن الآن بوضوح أن ليس من سياستها أن تصبح فلسطين دولة يهودية، بل ترى أن ذلك يناقض التزاماتها للعرب بموجب الانتداب، والتأكيدات التي أعطيت للعرب في السابق أنهم لن يصبحوا مواطنين في دولة يهودية ضد إرادتهم». فلماذا لم يبن العرب مطالباتهم على هذا البيان الواضح؟
قسّمت الأمم المتحدة فلسطين بظلم كبير للفلسطينيين، ورفضنا قرار التقسيم، وقامت الحرب، واحتلت إسرائيل أكثر مما أعطيت، ثم هزمنا عام 1967 وأكملت احتلال فلسطين والجولان وسيناء،، وجاءت اتفاقية أوسلو 1993 لترسخ هذا وتطالب إسرائيل بالعودة إلى حدود 4/6/1967 أي سامحتها بما استولت عليه (78% من فلسطين)، وجاءت المبادرة العربية للسلام 2002 لتؤكد هذا. دعونا نهتف «فليسقط واحد من فوق».

بقلم : نزار عابدين
copy short url   نسخ
06/11/2017
3073