+ A
A -
يعود إلى الواجهة من جديد الحديث عن كيفية حماية الصحفيين الذين يغطون الأحداث في مناطق النزاعات والحروب. إذ أن تقريراً قاتماً أصدرته «لجنة حماية الصحفيين» ومقرها في نيويورك، جعل الموضوع يعود إلى الواجهة، بشأن ظروف عمل الصحفيين في مختلف أنحاء العالم، خاصة أولئك الذين بات يطلق عليهم «مراسلون صحفيون في مرمى النيران».
«مراسلو المخاطر» هم أولئك الذين يذهبون إلى مناطق التوتر والحروب لتغطية أخبارها وما يحدث فيها، وتكون نسبة المخاطرة عالية ومكلفة. يعود الفضل إلى من يذهبون إلى حيث «مرمى النيران» في كثير من الأحيان كشف النقاب عن الفظائع والانتهاكات التي ترتكب في مناطق الحروب.
تكون تفاصيل بعض الوقائع في بعض الأحيان مفجعة.
آخر تقارير منظمة «لجنة حماية الصحفيين» التي تتمتع بصدقية كبيرة، كان عن مقتل مصور تليفزيوني في مدينة «داقوق» وهي مدينة تركمانية قريبة من كركوك بالعراق. يقول التقرير إن ثمانية أشخاص ملثمين اقتادوا المصور «أركان شاريفي» الذي يعمل مع تليفزيون كردستان، إلى حيث يوجد منزل أسرته، وعلى الرغم من بكاء وتوسل أفراد أسرته أطلقوا عليه الرصاص أمامهم ليسقط مضرجاً في دمائه.
يفيد تقرير لجنة حماية الصحفيين،إن عدد الصحفيين الذين قتلوا حول العالم بلغوا خلال الأسبوع الحالي 32 صحفياً، في حين هناك 55 من المفقودين، ويوجد 259 في السجون.
لكن على الرغم من ذلك فإن الأمور تتحسن، إذا قارنا هذه الأرقام مع أرقام أسوأ عام والذي كان وبالاً على «صحفي مرمى النيران «حيث قتل 74 صحفياً، وكان ذلك عام 2012. المؤسف أن ذلك الرقم ارتفع وقتها بسبب الأوضاع المضطربة في المنطقة العربية.
اللافت في إحصائيات هذا العام أن الهند كانت أكثر بلد سقط فيه صحفيون قتلى، حيث بلغ عدد القتلى 12 صحفياً، في حين أن عدد القتلى في سوريا التي تعيش أوضاعاً أمنية مضطربة، لم يتجاوز اثنين فقط.
يقول تقرير محايد أن حصيلة ضحايا النزاع في سوريا بلغ 138 صحفيا وناشطا إعلاميا منذ بداية الاضطرابات في مارس عام 2011، على الرغم من أن تقرير «لجنة حماية الصحفيين» يقول إن عدد القتلى 113 صحفياً، لكن المرجح أن هناك مفقودين.
ظني أن الصحفي يجب أن يبدأ مسيرته من تغطية «الجرائم»، ذلك أن الجريمة هي ذروة المأساة الإنسانية على مستوى الفرد، وعندما يعجز شخص عن حل تناقضاته مع الآخرين، بالعقل والحوار والتوافق يلجأ إلى العنف. في المقابل لابد من تغطية الحروب، لأنها ذروة المأساة الإنسانية على مستوى الشعوب، وعندما يعجز مجتمع عن إدارة صراعاته بالعقل مع مجتمعات أخرى، يلجأ إلى القوة.
الإشكال أن تكلفة تغطية الحروب والنزاعات غالية والمفارقة أن «مراسلي مرمى النيران» ما يفتأون يقدمون أقصى تضحية يمكن أن يقدمها أي شخص، وهي تعريض حياتهم للخطر.
هذا الأمر جعل الاتحاد الدولي للصحفيين ومقره في بروكسيل يشجع وضع مواد ضمن مناهج كليات الإعلام عن تغطية الحروب والأزمات كمادة أساسية، مقترحاً في هذا الصدد عدم ترك هذه المادة للأكاديميين، بل أن يتولى تدريسها من كانوا فعلاً «تحت مرمى النيران».
هؤلاء المراسلون، في الواقع يؤكدون مقولة إن الصحافة هي بالفعل المسودة الأولى لكتابة التاريخ.
وهذا يبقى أكثر من صحيح إذا كانت هذه المسودة بدماء مراسلين اختاروا العمل تحت النيران.
الثابت أن الصحفي الجيد هو الذي يحارب من أجل القصة الصحفية الجيدة، كما يفعل أي صحفي يستحق اللقب، والمؤكد أن أفضل قصة صحفية تلك التي يمكن الحصول عليها من مناطق النزاعات والتوترات والحروب. وفي كل الأحوال فإن الصحافة لا تبحث عن أخبار الطيبين ولا تعيش على قصص الخيرين. وللأسف فإن مقولة «الأخبار السيئة هي أخبار جيدة» للصحفيين، ما تزال صحيحة.
بقلم : طلحة جبريل
copy short url   نسخ
04/11/2017
2389