+ A
A -
وصلنا إلى حد التخمة بأخبار القتل والتدمير التي تلاحقنا من العراق إلى سورية إلى اليمن إلى ليبيا إلى مصر، وربما إلى أمكنة أخرى. ولا نستطيع أن ننعزل عن العالم، فترانا ننشغل بأخبار الروهينجا، والمهاجرين بقوارب الموت وغير ذلك من الأخبار. تشاهد الشاشة أو تقلب الصحيفة فتخاف أن تندلق منها الدماء والأشلاء، وتهرب من هذا إلى مجالات أخرى، ولكنك لا تجد إلا برامج التفاهة وتسطيح العقل. في هذا الزحام وجدت خبراً مثيراُ.
انهار موقع جامعة كيمبردج الإلكتروني. لم يكن هذا بسبب قرصنة أو هجوم إلكتروني، بل لأن الجامعة عرضت مادة كانت حبيسة الأدراج (إن صح التعبير) سنوات طويلة، وقررت الجامعة العريقة إتاحة رسالة الدكتوراة (خصائص العوالم الموسعة) PROPERTIES OF EXPANDING UNIVERSES التي كتبها عالم الفيزياء الفلكية البريطاني ستيفن هوكنج عام 1966 للتحميل المجاني، فانصبّ على الموقع 60 ألف طلب في وقت واحد، وكان هذا فوق طاقة «السيرفر» على التحمل.
يعاني هوكينج مرض العصب الحركي منذ كان في الـ 21 من عمره، عام 1963. في ذلك الوقت، تنبأ الأطباء له بأنه لن يعيش أكثر من سنتين، لكنه ما زال حياً (!!!) ويعمل. ولا نستطيع الاستطراد في سرد حياة هوكنج العجيبة، فهو معجزة تتحرك على كرسي، لكنه في عام 1988 نشر كتابه «تاريخ موجز للزمن» الذي حقق مبيعات وشهرة عالية، بل إنه صار أكثر الكتب مبيعاً BEST SELLER.
ما يهمني الآن من هذا وذاك من أخبار هوكنج، أن كتابه في الفيزياء الفلكية كان أكثر الكتب مبيعاً، ولا أعتقد أن أحداً اشتراه ليزين به غرفة الضيوف في بيته، بل ليقرأه، أو على الأقل ليطلع عليه، وأن الدكتوراة التي أفرجت عنها جامعة كيمبريدج سببت توقف الموقع بسبب الضغط الشديد، وقيل إن عدد من زاروا الموقع وصل إلى 700 ألف زائر، والأطروحة المعروضة للتحميل رسالة دكتوراة في الفيزياء النووية.
إن أجيالاً درست وتعلمت وتريد أن تفهم، وتبحث عما يوسع مداركها، وتهتم بالكون والفلك، إلى درجة التهافت على تحميل رسالة دكتوراة، لا على تحميل أغنية لهذه أو تلك ممن يغنين بأجسادهن، أو مسرحية تهريج تبكي أكثر مما تضحك، أو حلقة من مسلسل يشوه تاريخ بلد. إذا سألنا طلابنا الجامعيين على مستوى الوطن العربي: من هو ستيفن هوكنج؟ كم عدد الذين سيعرفون الجواب؟ لن نسأل طبعاً عن أشهر أعماله. اسألوهم عن مؤدية «جيب الجول» 99% سيعرفون الجواب. لم تتقدم أمة بكرة القدم وتهريج التليفزيون، بل بالعقل والعلم، والأدلة أكثر من الإحصاء في الزمان والمكان.

بقلم : نزار عابدين
copy short url   نسخ
30/10/2017
6898