+ A
A -
ليست كردستان وكتالونيا وحدهما اللتان تسعيان الى الانفصال، فهناك آلاف المقاطعات والأقاليم والأعراق والطوائف والبؤر السكانية، تطالب بالاستقلال عن دولها.
مصطلح الانفصالية يطلق على تحركات يتبناها جزء من مجتمع ما، بهدف استقلاله عن الدولة التي ينتمي اليها. وللانفصال دوافع وأسباب، إذ قد تكون اقليمية أو عرقية أو لغوية أو ثقافية أو دينية أو غيرها. ولديه ايضا اساليب تترأوح بين اشكال الاحتجاج السلمي، أو الجدل السياسي والدستوري، أو اللجوء الى القوة أو الاعمال الارهابية.
وما علينا إلا ان نتصور الصين وروسيا حيث تقيم عشرات القوميات والطوائف، وقد منحتا هؤلاء صك الاستقلال (التبت والشيشان نموذجان)، وما يترتب على ذلك من صراعات وحروب اهلية وانتشار عدوى تقسيم الدول.
وعندما أعلن اقليم كتالونيا الاسباني استقلاله قبل ايام (ولديه مسوغات تاريخية مهمة)، فقد اقدم على هذه الخطوة الخطيرة والمهددة لأمن واستقرار إسبانيا وأوروبا، بعد مسعى مماثل انتهى بالفشل، لاعلان استقلال كردستان العراق، وهي محأولة لا تقل رعونة وتهورا جراء وجود ملايين الاكراد في ايران وتركيا وسوريا ايضا.
وليس صحيا على الاطلاق ان تظل الدول عرضة للتقلص الجغرافي كلما شرع قطاع من المواطنين في حملة انفصال. ولعل بريطانيا التي أخطأت لانسحابها من الاتحاد الأوروبي، من اكثر الدول قلقا لعيشها في ظل حركات انفصالية تهدد ايرلندا الشمالية وسكوتلندا وويلز، وحتى جبل طارق.
وإذا قدر لآلاف الاعراق والاقليم والمقاطعات والمحافظات والبؤر السكانية، ان تنشق عن الدول التي تنتمي اليها، فلا مفر من دخولنا عصر التشظي والانفلات الكوكبي المفضي الى الفوضى وموت التعايش ودمار البشرية.
في أوروبا وحدها نتعرف على اقليم «فلاندريا» البلجيكي الذي حقق نجاحات تشريعية مهمة في مسعاه للاستقلال. وإذا كانت بريطانيا عرضة للتقلص الجغرافي على خلفية النزاعات الانفصالية، فإن جزيرة صقلية تطالب بالانفصال على قاعدة قد تكون مقبولة، وهي انها كانت تحكم ايطاليا كلها في عهود سابقة.
صقلية في جنوب ايطاليا، وحركات مماثلة بالبندقية والتيرول في شمالها. وهناك كورسيكا، الجزيرة الفرنسية التي تريد الاستقلال، مع ضرورة الاشارة الى ان دولا راقية الفكر كالنرويج والسويد والدنمارك تعاني من حركات انفصالية صغيرة تعبر عن توجهات وانتماءات السكان الاصليين، دون اي تهديد حقيقي لاستقرار وسيادة تلك الدول.
تحضرنا الكثير من الحروب العرقية والطائفية المندلعة بسبب رغبة الانفصال، مثل السودان وكشمير وسري لانكا ودول كثيرة في آسيا وأميركا اللاتينية، والقائمة أطول من ان تنتهي.
ورغم ان حق تقرير المصير مكفول في كافة المواثيق، فإن الدعوة للانفصال في زمن العولمة وأفول الحماسة القومية في أوساط المثقفين، تثير السؤال المهم: هل النزعة الانفصالية نابعة عن التوق لتحقيق حلم وطني أو قومي، أم هل هي تعبير عن مصالح اقتصادية؟
لعل الانفصال في المحصلة، خروج على النص الانساني الذي يسمو على العرقية والطائفية، وعلى الوطنية والقومية ايضا.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
30/10/2017
3567