+ A
A -
الرقة كانت مدينة منسية قبل ان يقتحمها تنظيم «داعش» ويجعلها معقله الرئيسي في سوريا. وهي ليس لها أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الاحزاب الكردية كحال الحسكة والقامشلي وعفرين لأنها تكاد تكون خالية من الاكراد، وتاليا ليس لها ثقل في تشكيل الكينونة السياسية الكردية في سوريا. ولأنها ليست ذات ثقل سياسي وديموغرافي كحلب وحمص وحماة أو اقتصادي كدير الزور في التركيبة الداخلية السورية فانها لم تكن هدفا استراتيجيا لدمشق إلا بمقدار سعي النظام إلى استرجاع سلطته على اكبر مساحة جغرافية لتعزيز اوراقه التفاوضية.
ولأن ليس لتركيا مصالح مهمة في المدينة ومحافظتها كمصالحها في حلب وادلب فانها لم تشكل متاعب مباشرة لأنقرة إلا بمقدار نجاح الاكراد في مد نفوذهم على رقعة كبيرة من الأرض السورية قد تشكل حافزا على النزعة الانقصالية وتعويض الخسارة التي مني بها نظراؤهم في شمال العراق أخيرا. ولانها لا تقف حاجزا على طريق بغداد دمشق وتاليا طهران بيروت فانها لم تدخل في دائرة الاهتمامات الإيرانية الكبرى في سوريا.
لكن دخول قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الاكراد وتدعمها واشنطن، المدينة بعد هزيمة التنظيم المتطرف والسيطرة عليها وعلى اكبر حقل نفط سوري في محيطها قلب المعادلات رأسا على قلب وجعل من هذه المدينة المغيبة مفتاحا للتحولات على صعيد موازين القوى سينعكس بوضوح على الوضع في شمال سوريا وغربها، وتاليا على مستقبلها كدولة موحدة أو متماسكة في ظل الاشتباك الحاد السياسي والعسكري المحلي والاقليمي الذي فتحه التغيير الميداني الذي طرأ على المدينة. ويتضاعف هذا الخطر مع حصول متغيرات سياسية وعسكرية مهمة، أولها الدخول التركي إلى ادلب، والثاني التقدم السريع لجيش النظام السوري في محافظة دير الزور المحاذية للرقة، وثالثها كشف السعودية عن نياتها المبيتة في سوريا ازاء انقرة ودمشق عبر الزيارة المفاجئة لوزيرها السبهان للرقة التي تتميز بخصوصية بحكم هيمنة المكون العربي السني فيها ما يجعل السيطرة عليها تأخذ أشكالا معقدة.
وإذا كانت مرحلة محاربة تنظيم «داعش» تتطلب تغليب البعد الكردي في معادلة الرقة، فإن مرحلة ما بعد التنظيم تتطلب تقوية البعد العربي، كي لا تخضع المحافظة لتأثيرات إثنية قد تفجر الوضع المحلي.
وفي حال كانت واشنطن لا ترغب في اطلاق يد الاكراد في المحافظة خشية حدوث فتنة إثنية فمن هي القوى العربية التي سيناط بها إدارة المحافظة؟ وما هي أجنداتها السياسية؟
الاميركيون حتما لا يحبذون وجود فصائل عربية موالية لانقرة حتى لا يتعزز الوجود التركي في شمال سوريا فهل حضور الوزير السعودي إلى جانب المبعوث الاميركي هو لهذا الغرض؟
بيد ان هذا الحضور السعودي الذي يصب في مصلحة الوجود العشائري العربي ورمزه الأبرز احمد الجربا الذي تسوقه الرياض كمنسق محتمل للمعارضة بدلا من رياض حجاب، سيكون حتما ضمن العباءة الكردية، وتاليا سيشرعن الوجود الكردي في المحافظة. وهذا من شأنه ان يرفع من حدة التوتر مع تركيا، لأن ذلك سيكون رسالة سعودية واضحة لأنقرة بأن الرياض قادرة على التلويح بالورقة الكردية والوصول إلى الحدود التركية. كذلك سيستفز دمشق لأنه يحول دون التنسيق من تحت الطاولة مع الاكراد في الرقة على غرار ما هو حاصل في الحسكة والقامشلي. وهكذا يتبدل المشهد السابق فتصير الرقة هدفا رئيسيا للتصويب من اكثر من طرف. وهذا من شأنه ان يعيد الكثير من الملفات الساخنة إلى المربع الناري الأول بعدما اعتقد كثيرون ان الغيوم قد انقشعت.

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
27/10/2017
2612