+ A
A -
بعد قيادته الناجحة للحرب على تنظيم داعش في العراق، ها هو يضيف الى رصيده إفشاله السريع لمشروع الاستقلال الكردي الذي تعاونت بغداد وطهران وأنقرة ودمشق علنا أو سرا لاستئصاله.
جاء العبادي رئيس الحكومة العراقية من الصف الثاني في حزب الدعوة الايراني، ملاذ الهروب من نظام صدام حسين، غير ان هذا السياسي العربي المنحدر من جنوب العراق والذي انضم الى الحزب المذكور وهو في الخامسة عشرة من عمره، يختلف تماما عن زميله في الحزب، نوري المالكي، الذي ترأس حكومة بغداد مرتين أمضاهما بتهميش السُنة وإبعادهم عن الحكم.
وإذا كان المالكي فاقدا للشعبية في اوساط السنة العراقيين، فقد تصرف العبادي بذكاء وود مع كافة الاطياف السياسية والمذهبية والعرقية، وحقق ما سعى اليه من البداية وهو إقامة نقطة التقاء بين انتمائه المذهبي (والسياسي الى حد ما) الى الخط الايراني، وبين إخلاصه لعروبته وإصراره على وحدة التراب العراقي الذي يحترمه ويدافع عنه.
خاض العبادي جلسات حوارية مع المرشد الاعلى علي خامنئي الذي دعاه للمحافظة على مكتسبات طهران في العراق، والسعي لاقامة تحالف قوي بين البلدين، لا يرقى بالضرورة الى الوحدة الاندماجية.
غير ان العبادي قاوم توجها كهذا سيحول العراق الى كوكب يدور في الفلك الايراني، وسعى الى اقناع محدثيه الايرانيين بأن مصلحة بلادهم تكمن في التواضع والانكماش، وليس في التمدد والتوسع، منطلقا من ان الإنجاز الجغرافي الذي حققه الحرس الثوري والميليشيات، ينظر اليه على انه تدخل غير مشروع في شؤون الدول العربية.
هذا التدخل الذي يهدد المشهدين الاقليمي والدولي، استخدمته ادارة ترامب كمبرر للانقلاب على الاتفاق النووي مع ايران، ولحشد الاساطيل في مياه الخليج والتلويح بالقوة حينا، وبمساعدة خصوم ايران على مواجهتها حينا آخر وهو مسلم سيقو د إلى تدهور سريع في العلاقة الأميركية - الإيرانية، ما يصب في مصلحة اسرائيل التي تدفع باتجاه الحرب. وعندما زار العبادي في الايام الاخيرة السعودية ومصر والاردن، ثم تركيا وإيران، فقد بدأ يلعب بقدرة وفعالية، دور الباحث عن القواسم المشتركة ومساحات التفاهم بين الخصوم.
وإليه يُعزى فتح النوافذ الايرانية بوجه الجوار العربي، أملا بالوصول الى تسويات ترضي جميع الاطراف. ويلفت النظر بالفعل، بيان اصدرته السفيرة العراقية في الاردن صفية طالب، جاء فيه ان العبادي يحمل معه مشروع رؤية عربية يتضمن طي صفحة الخلافات والتركيز على التنمية وبسط الامن والاستقرار، حيث لم تجلب الصراعات للمنطقة سوى الدمار والتخلف.
مهمة نبيلة هذه دون شك، خاصة أن المنطقة جميعها بإقليمها الشرق أوسطي والخليجي الواسع تصلي من اجل تمزيق الصفحات السوداء التي ميزت مؤخرا العلاقات بين دوله. ونتمنى ان يكون صحيحا ما يتردد حول عدم ممانعة ايران جهود العبادي، وتشجيع الدول التي زارها، دون استثناء، لهذه المساعي، لعلها تقود الى تسويات تنهي حروب اليمن وسوريا والعراق وليبيا وغيرها، وتعيد الى المنطقة ألقها وابتسامتها.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
23/10/2017
3044