+ A
A -
«العمل العربي المشترك». سمعنا عنه كثيراً. ومن أجله تكونت منظمة إقليمية كبيرة تفرع عنها عديد من المنظمات النوعية. ووقعت لأجله كذلك مئات الاتفاقيات الجماعية. ثم تبين أنه لم يكن سوى واحدة من المقولات المراوغةً. كانت المسافة تتسع بين العرب والعرب فتتسع معها المسافة بين الأمل والحقيقة، بين المرغوب والمتحقق، بين عرب الكلمات وعرب الإرادات. عرب الكلمات رددوا عبارات ضخمة لا يقوم عليها دليل مثل مقولة «العمل العربي المشترك». أما عرب الإرادات فأبانوا ضعفاً كشفوا به فداحة الفشل العربي المشترك.
وقد جرى الانتقال من حلم العمل العربي المشترك إلى كابوس الفشل العربي المشترك عبر مراحل بدأت بالكسل العربي المشترك، فالملل العربي المشترك فالزعل العربي المشترك ثم الخلل العربي المشترك الذي انتهى بالفشل العربي وهو أيضاً مشترك. أما الكسل فصوره عديدة أوضحها التخاذل في تطبيق صادق لأي اتفاق عربي يقرب المسافات. كسل في الالتزام بالدفاع المشترك سهل الاختراقات الأجنبية، وكسل في التنمية المشتركة راكم الديون الخارجية. ومع الكسل تولد الملل. ظهرت حالة ملل عربي واسعة تُشكك في أن العرب يمكن أن ينجزوا شيئاً مشتركاً. تكون مزاج عام يائس وسيكولوجية عربية محبطة. ولم يكن غريباً في ظل ذلك المزاج وتلك السيكولوجية أن ينتقل العرب من مرحلة الملل المشترك إلى مرحلة الزعل المشترك. فالإنسان الملول يضجر بسرعة من أي شيء ومن كل شخص. وقد غضب العرب بشدة من بعضهم وزعلوا مرات ومرات. غضبوا في القمم وفي الشوارع. هتفوا ضد بعضهم في ملاعب الكرة وعلى شاشات التليفزيون. تلاعنوا وتسابوا على صفحات الجرائد وفي أروقة المنظمات الدولية. ونتيجة التراخي والكسل ثم اليأس والملل ثم تكرار الغضب والزعل تعمق الزلل والخلل. ولم يكن منتظراً مع هذا كله إلا شيئاً واحداً: الفشل.
فشل العمل العربي المشترك عندما تفوق العمل القطاعي على العمل الجماعي. لما تحالف قطاع من الدول العربية ضد قطاع آخر من الدول العربية. وفشل العمل العربي المشترك كذلك عندما سيطر العمل العربي الإقطاعي على العمل العربي الجماعي لما تقدمت مصالح حفنة من الأفراد النافذين في كثير من البلدان العربية وفي المنطقة بأسرها على المصالح الجماهيرية. وفشل العمل العربي المشترك أيضاً عندما تغلب العمل العربي الاتباعي على العمل العربي الإبداعي لما أحكمت البيروقراطية وشدد الاستبداد الخناق على أصحاب العقول الراجحة ضاربين بعرض الحائط كل تصور مبدع قدمه استراتيجيون ومثقفون عرب أجلاء لأخذ هذه المنطقة إلى الأمام. ناهيك عن أن العمل العربي المشترك فشل أكثر عندما تغلب التفكير الاندفاعي على التفكير الواعي فوقعت أزمات وغزوات واشتباكات وحيكت مكائد ومؤامرات لم تجعل فقط العمل العربي المشترك مستحيلاً بل جعلت فكرة العروبة ذاتها موضع شك.
وكانت تلك أهم تبعات الفشل العربي المشترك. باتت الهوية ذاتها موضع سؤال. وكان لا بد بعد ثلاثة أرباع القرن من الفشل العربي المشترك أن يطرح على العرب السؤال من جديد: لماذا يفشلون؟. والأرجح أنهم لا يفشلون لأنهم استسلموا للكسل والملل والزعل وإنما لأنهم توهموا من البداية وجود صلة سحرية تربطهم أسموها الأمة العربية. هذه الصلة في حاجة إلى مراجعة وتفنيد. وتلك هي أولى خطوات التعامل مع الفشل العربي المشترك. أن نجد توصيفاً جديداً غير الذي اعتدنا عليه. أن نكف عن تسمية بلدان المنطقة بالأمة العربية أو العالم العربي وأن نطلق عليها مجموعة الدول الناطقة بالعربية شأنها شأن الدول الناطقة بالفرنسية أو ما تعرف بالمنظمة الفرانكوفونية. فوحدة اللغة والتداخل التاريخي الطويل لا ينشأ أمة. فالإنجليز والأميركيون والكينيون والأستراليون والهنود مثلاً يتكلمون الانجليزية لكنهم لا يشكلون أمة. كما أن بين أكثرهم تداخل تاريخي متشعب بسبب الاستعمار البريطاني لأراضيهم لعشرات إن لم يكن مئات السنين لكنهم لا يكونون أمة ولا هم ادعوا ذلك.
إن الأفضل من التمادي في بناء وعي زائف أن ينطلق تفكير جديد يقاوم الفشل العربي المشترك بأفكار واقعية تبتعد عن عالم الأساطير السياسية التي حبس العرب أنفسهم فيها طويلاً. أفكار تتواضع أمام أحلام قديمة مثل الوحدة العربية والتكامل الإقليمي بل وحتى العمل العربي المشترك. فلم تكن هناك أية مقدمات على مدار عقود مضت تؤكد أنه سيتحقق ولا توجد مقدمات الآن تشير إلى أنه يمكن أن يتحقق. فأكثر ما تعرض له أهل المنطقة من حروب أهلية وصراعات حدودية ومؤامرات سياسية وحصار واحتجاز وتفجير وتنكيل بل وغزو كله جرى تحت شعار العمل العربي المشترك.
بقلم : د. إبراهيم عرفات
copy short url   نسخ
23/10/2017
2664