+ A
A -
قبل مائة عام بالتمام، لم تكن الحرب العالمية الأولى قد وضعت أوزارها بعد، ومع ذلك شرع الدبلوماسي البريطاني مارك سايكس وزميله الفرنسي فرنسوا جورج بيكو في رسم خرائط جديدة للتركة الإمبراطورية لـ«الرجل المريض» الذي كان قابعا على فراش الموت في اسطنبول. حينها قسموا الناس عشائر وقبائل أطلق عليها اسماء دول قادت الشرق الاوسط حتى اليوم. وكان لا بد من نهاية.
العداء لخريطة سايكس– بيكو، حفز على إطلاق النداء من أجل التحرر على تركة الاستعمار. هكذا انطلقت انظمة العسكر، بدءاً من سوريا، بدافع السعي إلى استعادة فلسطين من ناحية، ولواء الإسكندرون السليب من ناحية أخرى. ونشأت في الموازاة حركات قومية في اليسار وفي اليمين، وبعثت الجماعات الشعبية في كل مكان. لكنها عبثت بالموجود ولم تسترجع لا القدس ولا أنطاكية.
كانت الحروب الخاسرة على الجبهات، وكان بموازاتها الحروب الأهلية المدمرة وحروب الجوار التي نخرت الأمة. لكن خطوط «الخريطة» نفسها بقيت هي هي في كل مكان، عدا الاحتلال الإسرائيلي.
وعدنا بالدول الوطنية لكنها كانت شعارات فارغة، راهنا على المعارضات الوطنية لكنها كانت نسخا مشوهة عن الأنظمة. فهي حاربت الانقلاب بالانقلاب، والتسلط بشهوة التسلط، والظلم القائم بالظلم الموعود، والسجن القبيح بالسجن الأكثر قباحة. ليس فقط الدولة والمعارضة لم تقم، بل المجتمع اللائق أيضاً.
بدأ تغير سايكس– بيكو من الداخل، وليس عبر الحدود. بدل أن يضم العراق الكويت، ويحوّلها إلى المحافظة التاسعة عشرة، فقدت بغداد روابطها التاريخية بأربيل والبصرة والموصل. ثم جاء الخليفة البغدادي، فقرر أن يبدأ دولة الخلافة من سوريا والعراق معاً. وللمرة الأولى منذ قرن كامل، يلحق مثل هذا الدمار البشري والمادي والمعنوي، بعاصمتي الخلافتين، الأموية والعباسية.
ومع حلول ذكرى مرور قرن على الاتفاق، حدود بعض الدول التي انبثقت منه وبنيانها صارا هشين بشكل يُرثى له وعرضة للانهيار في زمن قياسي.. فهل نحن على عتبة إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، أو الدفع في سبيلها، مثلما تجلّى في طروحات تقسيم العراق وسوريا واليمن بعد نجاح تقسيم السودان؟ وهل يعيد كيري ولافروف اليوم رسم خرائط سايكس وبيكو؟
الوقائع الملموسة على الأرض تزيد من مخاطر هذه الطروحات إذا ما تمادت، وتشكل أساسا ليس فقط لخطط جديدة إنما لخرائط جديدة فعلية في المنطقة. لدينا كل المغذيات الضرورية للتفكك والانحلال: الفوضى الناجمة عن سقوط أنظمة وتنامي التطرف المذهبي، الصراع الإقليمي على النفوذ الذي أجج قوى الإرهاب وتنظيماته وعززه بدلا من محاربته، تصاعد عمليات التطهير العرقي، وإعادة رسم الخريطة الديموغرافية والإثنية كما حدث في العراق، أو بشكل أكثر جسامة وخطورة فيما تشهده سوريا من عمليات إعادة رسم للخريطة السكانية. ولكن الخطر الأكبر فيما ينتج عن عمليات التطهير تلك، أو عن تأسيس كانتونات طائفية صرف من تنامي واقع الانفصال الطائفي، وتصاعد مشاعر الكراهية الإتني، استخدام بعض القوى الإقليمية أو الدولية تنظيمات التطرف المذهبي كأداة لمد نفوذها، أو تهديد قوى منافسة أخرى، واحتمال تطوّر الصراع مع تلك الدويلات وحولها إلى حروب إقليمية صريحة بين دول المنطقة.
الشرق الأوسط يقف في لحظة فارقة، وإذا ما حصل انهيار للحدود فإنه لن يكون في اتجاه وحدة أو سوق مشتركة، ولكنه سيكون قطعًا لصالح تفتيت المفتت وتقسيم الكيانات الموجودة لتلد عددًا أكبر من الدول الأصغر حجمًا حول الدولة الأكبر: إسرائيل.
أمين قمورية
copy short url   نسخ
18/05/2016
1442