+ A
A -
ظل مصطلح الاستراتيجية العالمية GRAND STRATEGY للولايات المتحدة، يتردد بكثرة، في ظروف التحولات الدولية، باعتباره مرجعية سياستها الخارجية، ومرتبطا بطبيعة الأهداف الأساسية لهذه الاستراتيجية، في ظروف أي تغيير في الأوضاع العالمية المحيطة بها، مع الوعي بأن هناك أساسا تبنى عليه هذه الاستراتيجية، فإذا ما اختل هذا الأساس، فسوف تلحق بها المتاعب، ومن ثم يضعف الأساس الذي تقوم وتستمر عليه الاستراتيجية.
كان أساس الاستراتيجية قائما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، على قدرة الولايات المتحدة، على الإمساك بزمام الأمور عالميا، عن طريق تحالفات سياسية، وعسكرية، واقتصادية، بدءا من تحالف الأطلنطي، وما تكمله من علاقات ثنائية، وقواعد عسكرية، وتفاهمات ثنائية، مع وجود عنصرين رئيسيين داعمين لها، هما قدرتها المالية على تقديم المساعدات لمن يحتاجها من المشاركين في هذه التحالفات، والتزامها بتقديم الدعم لحماية أمنها ضد أي تهديدات خارجية.. ثم يلحق بذلك – في إطار ما يعرف بأساس الاستراتيجية– مخزون خبرات تراكمت لديهم معرفة بطبيعة الصراع الدولي، وطريقة عمل التحالفات المضادة، خاصة تلك التي يقودها الاتحاد السوفياتي، ممثلا في المعسكر الإشتراكي، وتكتله في حلف وارسو، وعلاقاته خارج الحلف مع دول ومناطق، كان يعمل على مد نفوذه إليها، في مختلف مناطق العالم، خاصة في الشرق الأوسط.
ومنذ انتهاء الحرب الباردة عام 1989، تعرضت الأركان الرئيسية للاستراتيجية العالمية، لضغوط شديدة، تقلل من قدراتها السابقة، أو تدخلها في دوامة من عدم اليقين تجاه أحداث كانت في السابق، تتوقع بقوة توجهاتها المستقبلية، وبالتالي تجهز نفسها للتعامل معها. ونتيجة لهذه التغييرات صارت قرارات رؤسائها في البيت الأبيض، تتعرض للارتباك والتناقض، بالشكل الذي ظهر بقوة في الولاية الثانية لأوباما.
وقد انعكس ذلك على نظرة العالم وخاصة الحلفاء التقليديين، لقصر أجل تمتع الولايات المتحدة بوضع القوة العظمى الوحيدة، وقرب انتقالها إلى مرحلة تكون فيها واحدة ضمن مجموعة قوى متعددة، في إدارة النظام الدولي.
وهو ما أدى إلى إعادة النظر في المفاهيم القديمة الخاصة، باستمرارية الأساس الذي كانت تبنى عليه الاستراتيجية العالمية الممسكة بزمام الأمور في العالم، والتي تتيح للولايات المتحدة دوام هيمنتها على العالم، وإن بقي في صلب الفكر السياسي الأميركي، عناد لا يتقبل إمكان تراجعها عن وضع الهيمنة.
كان ذلك يشكل فلسفة حكم جورج دبلو بوش بصورة صريحة وواضحة منذ عام 2001، ثم انتقلت هذه الفلسفة إلى إدارة أوباما، رغم علو أصوات من النخبة، وخبراء السياسة الخارجية، تنتقد نهج أوباما الذي وصفته بأنه يتصادم مع الظروف الدولية المتغيرة، والتي كان ينبغي وضعها في الحسبان، بالنسبة لإعادة النظر في هذه الاستراتيجية، لتضع في اعتبارها ما جد من أحداث لم يكن في مقدور الولايات المتحدة التأثير على توجهاتها، عكس ما كان يحدث من قبل، وهو ما شهدناه في الشرق الأوسط، وجنوب شرق آسيا، والتحولات في سياسة روسيا، إلى جانب صعود دول عديدة، صارت قادرة على أن تكون منافسا للولايات المتحدة، وتملك تأثيرا على أوضاع إقليمية، كانت حكرا للنفوذ الأميركي.
وبالطبع فإن خروج أميركا من مأزق التناقض بين ما يمثل عقيدة راسخة لها، تأسست على معنى التفوق والهيمنة، وبين تحديات خارجية لهذا المفهوم، سوف يستغرق سنوات، وليس متوقعا حسمه فورا. لكنه في الوقت نفسه يعد بمثابة رسالة إلى الدول الأخرى، التي ارتبطت بالولايات المتحدة، وفق الأسس التي اعتادتها لاستراتيجيتها العالمية، بحيث تعي أن العالم الذي يتغير لابد وأن تنعكس تأثيراته عليها، وأنه ينبغي عليها أن تبادر، بأن تكون لها معاييرها، التي تمكنها من معرفة، كيف يكون لها هي أولا آليات لحماية نفسها وأمن شعوبها، وأن تملك زمام المبادرة، وليس تركه في يد غيرها، في أمور تخص مصيرها.
بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
18/10/2017
2505