+ A
A -
بعد مغامرة الاستفتاء على انفصال كردستان، تأتي الآن مغامرة الحرب في كركوك حيث بلغت الحشود العسكرية المتبادلة فيها وحولها ذروتها.
الأكراد يقولون إن كركوك هي «قُدسهم»، ولا يُمكن أن يقوم إقليم مُستقل لكردستان العراق دون أن تكون عاصمته، ولذلك سيُدافعون عن سِيادتهم عليها حتى المَوت.
وفي المقابل ترفض حكومة بغداد التخلي عن كركوك مصدر النفط والغاز الطبيعي الأساسي للعراق اضافة إلى البصرة. ولأن فيها يعيش العرب والتركمان إلى جانب الأكراد، تصير مسألة المدينة ومحافظتها قضية وعقدة لن تتساهل في حلهما الحكومة العراقية وغالبية العراقيين. بغداد لن تفاوض عليها والعرب يعتبرون التنازل عنها لعنة.
يصدر اقليم كردستان نحو 500 ألف برميل نفط يومياً. ما يوازي 12 في المائة من صادرات العراق النفطية. وينتح نحو 600 ألف برميل زهاء الثلثين منه من كركوك. سيطرة البيشمركة على كركوك باستعادتها من داعش في 2014، بعد انسحاب الجيش العراقي منها في عهد حكومة نوري المالكي، صلب موقف حكومة كردستان. المالكي الذي انسحب الجيش العراقي في عهده أيضاً من البصرة وسلمها إلى داعش، قدم ورقة أخرى لإقليم كردستان. راح يناور في تطبيق اتفاق مع البارزاني يقضي بتحويل 17 في المائة من الموازنة العراقية إلى حكومة كردستان في مقابل صادرات من الإقليم بواقع 400 ألف برميل نفط يومياً تحول عائداتها إلى الخزانة العراقية عبر «سومو» شركة النفط العراقية الوطنية.
وكان المالكي يدرك احتمال نكوص كردستان بالاتفاق وتصديرها النفط من كركوك وتحويل عائداته إلى الشمال. وهذا ما حصل بالفعل. العلاقات المتوترة بين بغداد أنقرة، حملت انقرة على نقض اتفاق أبرمته مع بغداد في 2010 بعدم السماح بتصدير النفط العراقي إلاّ عبر «سومو». وكان ذلك لمصلحة حكومة اربيل. لم يكن المالكي في وضع يملي شروطه على أنقرة. فمرفأ جيهان التركي منفذ رئيسي لصادرات النفط العراقية إلى أوروبا وحوض البحر الأبيض المتوسط. وتجارة العراق البينية مع تركيا نحو 12 مليار دولار اميركي سنوياً. ناهيك عن الثقل السياسي الوازن لتركيا في المنطقة. لكن الغريب أن لا حكومة المالكي السابقة، ولا حكومة حيدر العبادي الحالية، مارست ضغوطاً على شركات نفط دولية عملاقة تتولى عمليات استكشاف النفط واستخراجه من شمال العراق وكركوك باتفاقات مع حكومة الاقليم.
ومع شمول الاستفتاء أكراد كركوك دنت لحظة الحقيقة واستحقت الحسابات وتغيرت المواقف فما كان يصح كإغراء مالي لا يصح كهدية سياسية مجانية تتعدى السيادة العراقية إلى قلب المشهد الاقليمي برمته.
صارت بغداد تنظر إلى كركوك بعين اخرى كذلك انقرة وطهران.
الحكومة تحشد قواتها حول المدينة والحشد الشعبي يزحف بالآلاف صوبها، والبشمركة تؤكد استعدادها للدفاع عنها. وليس من المستبعد ان تكون النتائج أكثر كارثيةً، لأن هذا التحرّك لن يوحّد العرب والأتراك، السنة والشيعة، سوريا والعراق وإيران وتركيا، سياسيا بل ربما عسكريا أيضًا ضد الاقليم الكردي العاصي في الشمال. واذا كانت واشنطن الممسكة بالمفاتيح السياسية لأزمات العراق والمنطقة لن تسمح بتحول الأزمة صراعاً عسكرياً. لكن المؤكد أن بغداد قد تساوم على اربيل والسليمانية لكنها لن تتخلى عن كركوك أبدا. وستبقى المحافظة مفتاح الحرب والسلام بين بغداد وأربيل أياً يكن شكل العلاقات مستقبلا بين اربيل وبغداد، وقد تكون السهم المسموم الذي قد يقتل الحلم الكردي بالاستقلال، ذلك ان حسابات «حقل» البارزاني غير حسابات «بيدر» المنطقة، ذلك ان معركة كركوك الزاحفة بِسرعة، لن تحدد حدود اقليم كردستان وتاليا حدود العراق فقط بل حدود المنطقة وخرائطها الجديدة المحتملة.

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
18/10/2017
2743