+ A
A -
يعيش سوريو الداخل في وضع يزداد مأساوية يوما بعد يوم، فعدا عن المجازر المتنقلة التي تصل أخبارها على فترات قريبة، وعدا عن قصف الطيران المتعدد الهويات، والذي يخلف المزيد من اللاجئين والمشردين والمعطوبين والضحايا، وعدا عن الحصار الذي يفتك بسكان الكثير من المناطق في ريف دمشق وحمص، وعدا عن عودة مدن بكاملها إلى العيش في مجاهل التاريخ بفعل تدميرها من طيران النظام وحلفائه ثم سيطرة الكتائب الجهادية التي فرضت على من تبقى من سكان تلك المدن نمط عيش لا يشبه ما اعتاده السوريون ولا يشبه طريقة تفكيرهم، وعدا عن اليأس من الوصول إلى أي حل يوقف المقتلة السورية ويبدأ بإعادة ترتيب الحياة هناك، عدا عن كل ذلك تعيش البلاد في أزمة اقتصادية خانقة بعد انهيار الليرة السورية إلى رقم غير مسبوق في سعر صرفها أمام الدولار، فشئنا أم أبينا، أحببنا أم لم نحب، العقوبات الاقتصادية التي فرضت على النظام السوري لم يتضرر منها سوى الشعب وسوى من أصر على بقائه داخل البلد مهما كانت أسبابه، وربما ما صرح به رئيس حكومة النظام السوري (وائل الحلقي) قبل أيام عن أنه لا توجد أزمة اقتصادية في سوريا دليل على هذا، إذ واقع الحال، يؤكد أن النظام بكل من ينتمي بنيويا له، لا يعنيه من الأزمة الاقتصادية شيء، لم تمس أمواله وما سرقه من مال السوريين قبل الثورة، ومع الثورة تحول إلى إحدى عصابات الاسترزاق، يعيش أعوانه على اقتصاد الحرب، بينما يعيش باقي الشعب تحت ظل القهر، فالموظف الحكومي أصبح معاشه لا يعادل الخمسين دولارا، في وقت ترتفع فيه أسعار كل السلع الموجودة في سوريا مع ارتفاع سعر الدولار، هذا ينطبق على الجميع، سواء في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، أو تلك التي ما زالت مؤيدة له، وفي المناطق الواقعة تحت سيطرة الكتائب المسلحة، التي تحولت بدورها إلى عصابات استرزاق بفعل اقتصاد الحرب، كما أن حالة التكافل الاجتماعي التي كانت بين السوريين في السنوات الماضية خفت، فالضائقة أصابت الجميع، حتى من كانت لديه مدخرات وخرج ولم يتوقف عن مساعدة من هم في الداخل، خمس سنوات استطاعت استنفاد كل شيء، من خرج عليه تأمين مستقبله ومستقبل أولاده حيث هو بما تبقى لديه، ومن بقي استهلكت الأزمة الاقتصادية المتصاعدة كل مخزونه، والغريب أنه وسط كل الأخبار المفجعة التي تصل من الداخل السوري وحالة الاختناق التي يعبر عنها سوريو الداخل بفعل الغلاء، ووسط الأخبار عن كل المظاهر الشاذة التي تخلفها الحروب عادة والتي تشكل كارثة اجتماعية حقيقية على أي بلد، وسط كل ذلك تسمع من سوريين معارضين للنظام يعيشون في بلاد المهجر قديما وحديثا صيحات استحسان وفرح كلما تم الإعلان عن انهيار جديد لليرة السورية مقابل الدولار، وكأن ما ينتج عن ذلك يمس شعبا آخر غير الشعب السوري الذي ينتمون له، أو انهيار سعر صرف الليرة سيؤدي حتما إلى سقوط النظام دون أدنى مراجعة لسيرورة الحدث خلال خمس سنوات، هؤلاء أيضا، مثلهم مثل النظام، لا يشعرون بالأزمة الاقتصادية، فالانهيار ليس للاقتصاد فقط، يبدو أنه للأخلاق أيضا لدى البعض.
بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
17/05/2016
1882