+ A
A -
انطلق قطار المصالحة الفلسطينية، بوساطة مصرية مقبولة من طرفي الصراع وبضوء أميركي إسرائيلي أخضر.. ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي ينطلق فيها قطار المصالحة الفلسطينية دون أن يتمكن من الوصول إلى محطته الأخيرة، إلا أن البيئة المحلية والإقليمية والدولية تبدو أكثر مواءمة هذه المرة لإنجاز مصالحة شاملة تعيد للشعب الفلسطيني ولمؤسساته الوطنية وحدتهما المفقودة والمفتقدة منذ سنوات..
فالأطراف المعنية مباشرة، وأقصد فتح وحماس ومصر وإسرائيل والولايات المتحدة، تبدو حريصة على إتمام هذه المصالحة، مع ضرورة الانتباه في الوقت نفسه إلى أن الدوافع المحركة لكل منها ليست من طبيعة واحدة.
فهدف حماس الرئيسي هو تخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة والذي وصلت معاناته إلى درجة باتت قابلة للانفجار في أي لحظة.. وهدف فتح الرئيسي هو إعادة بسط سيطرتها من جديد على الضفة الغربية وقطاع غزة معاً، من خلال السلطة الفلسطينية بالطبع وفي حدود ما تسمح به ترتيبات أوسلو وعلاقتها الملتبسة بإسرائيل.. ومصر تبدو معنية بالجوانب الأمنية أكثر من أي شيء آخر.. فبالإضافة إلى مصلحتها الواضحة في استقرار الأوضاع المعيشية في القطاع بشكل عام وعدم وصولها إلى حافة الانفجار، تبدو مصر حريصة على ضمان تعاون الأجهزة الأمنية الفلسطينية للحيلولة دون تحول قطاع غزة إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية المتمركزة في سيناء.. وللولايات المتحدة في المرحلة الحالية مصلحة واضحة في تهدئة الأوضاع في المنطقة عموماً، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل خاص، لتهيئة مناخ أفضل لإطلاق مفاوضات التسوية من جديد واختبار مدى استعداد الأطراف المعنية للتجاوب مع «صفقة القرن» التي لاتزال ملامحها غامضة حتى الآن.. أما إسرائيل فتسعى أولاً وأخيراً لاستغلال حالة الإنهاك العام للأطراف العربية والفلسطينية للوصول إلى صيغة تسمح بنزع سلاح حماس وإنهاء المقاومة المسلحة الفلسطينية ككل، دون أن تضطر إلى دفع أي ثمن سياسي في المقابل.
اتفاق جميع الأطراف المعنية على انطلاق قطار المصالحة الفلسطينية لا يضمن بالضرورة أن القطار سيصل إلى محطته النهائية، خصوصاً أنها محطة مختلف عليها.. ويبدو لي أن معظم المسائل التي ستناقش خلال المحطات العديدة التي سيمر بها قطار المصالحة في مسيرته الطويلة، قابلة للأخذ والرد وبالتالي للوصول إلى حلول وسط بشأنها، فيما عدا المسألة التي تستهدفها إسرائيل والتي ترى أن أي مصالحة فلسطينية يجب تفضي إلى نزع سلاح ما تسميها «الجماعات الإرهابية»، أي حماس وبقية فصائل المقاومة المسلحة. ولأن لدى جميع الأطراف المعنية مصلحة في عدم عرقة سير قطار المصالحة أو إفشالها، لا استبعد وجود اتفاق صريح أو ضمني بتأجيل البحث في هذه المسألة الحساسة إلى أن يتم حسم بقية المسائل، وبعضها معقد بما فيه الكفاية.. غير أن تأجيل التفاوض حول مصير سلاح المقاومة لا ينبغي أن يفهم على أنه يعني تأجيل التفكير في حلول تحافظ على الثوابت الفلسطينية وتحمي المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، وتحول في الوقت نفسه دون منح إسرائيل ما تحتاجه من ذرائع لإفشال المصالحة الفلسطينية. ولأن إسرائيل هي صاحبة المصلحة الأكبر في استمرار حالة الانقسام الفلسطيني ولن تساعد في إتمام المصالحة، إلا إذا ضمنت نزع سلاح المقاومة، أو على الأقل وضعه تحت الهيمنة التامة للسلطة الفلسطينية، على الحركة الوطنية الفلسطينية منذ التفكير في بلورة إستراتيجية مضادة لنزع الذرائع الإسرائيلية.
آمل أن تتمكن فتح وحماس من الاتفاق أولاً على رؤية موحدة لإدارة الصراع مع إسرائيل في المرحلة الراهنة وفي المستقبل، وأن يدركا معاً أن سلاح المقاومة هو ملك للشعب الفلسطيني وحامي حقوقه.
بقلم:د. حسن نافعة
copy short url   نسخ
12/10/2017
2367