+ A
A -
المصالحة الفلسطينية بحد ذاتها ضرورة لإعادة الاعتبار للقضية التي هشمها الانقسام بين رام الله وغزة، حتى بات الرأي العام الفلسطيني ناقماً على حركتي «فتح» و«حماس» معاً وشبه مكشوف أمام الغٌي الإسرائيلي، فلا يرى أمامه طريقاً يمضى عليه، أو أملاً في أن تفضي تضحياته ومعاناته الطويلة لانتزاع شيء من حقوقه المهدورة.
في الشكل يبدو مهرجان الفرح في غزة احتفاءً بتسليم «حماس» حكومة السلطة «الحكم» في القطاع أكثر من مجرد «مسرحية» تُعيد التّذكير بسابقاتها عام 2011 في القاهرة، ولم تُعمّر إلا لبِضعة أسابيع.. ذلك أن ثمة حاجات محلية وإقليمية تفرض نفسها على الطرفين للتلاقي، فهما يعيشان حالةَ تأزم: حركة «حماس» لم تعد قادرة على توفير لُقمة العَيش لأكثر من مليوني فلسطيني، مُحاصرين في مساحة لا تزيد على 150 ميلاً مربعاً، من دون ماء وكهرباء، أو أي مصادر للدخل، وبطالة تزيد على 80 في المائة في أوساط الشباب، أما السلطة في رام الله فباتت مَعزولةً ومَرفوضةً من غالبيّة الشّعب الفلسطيني لفشل خيارها التفاوضي، واستفحال الفساد في صفوف نخبتها.
لكن في الجوهر ثمة خشية، في أن تكون هكذا مصالحة نوع من الشركات الذي يجنح إلى إدارة تقاطعات المصالح، وإلى التعامل التكتيكي مع الأمور البسيطة واليومية، وليس إلى التعامل مع القضايا الجوهرية والكبرى.
يمكن للبعض تبسيط الخلاف بين «فتح» و«حماس» في كونه «صراعاً على السلطة»، ولكن هذا ليس جوهر المشكلة في الشأن الفلسطيني، مع الإقرار بأن الصراع على السلطة هو أحد أوجه المشكلة.. ولو كان الأمر مجرد صراع من هذا النوع لأمكن تسويته بالتوافق على آليات عادلة وشفافة، وضمانات للأطراف المتصارعة «المتصالحة» بأن تأخذ حجمها التشريعي والقيادي التنفيذي، حسبما تمليه القواعد الانتخابية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
جوهر المشكلة يكمن في أن أطراف الخلاف مختليفون في الثوابت وفي المرجعيات، وفي البرنامج الوطني، وفي الأولويات، وفي الارتماء في أحضان الأحلاف الإقليمية.. ومما يعقد المشكلةَ التدخل الخارجي الإسرائيلي والعربي والإقليمي والدولي، واستقواء بعض أطراف الخلاف بذلك، كما يعقّدها عدم وجود مرجعية يحتكمون إليها، وأزمة الثقة الطويلة، والتشتت الجغرافي.
أخطر ملفات الخلاف، وأكثرها حساسية وتعقيداً، مستقبل سلاح المقاومة.. رئيس السلطة يطلب بوضوح «أن تكون هناك دولة واحدة بسلاح واحد ونظام واحد وقانون واحد».. ورئيس المكتب السياسي لـ«حماس» يرفض بالوضوح نفسه، أي نزع لـ«سلاح المقاومة»، الذي يختلف عن «نوع آخر من السلاح تحتكره الحكومة والشرطة وأجهزة الأمن».
ورغم عمق هذا المأزق وتعقيداته فإنه يمكن تجاوزه بصيغة أو أخرى مثل تأجيله لمرحلة مقبلة حتى تتأكد حقائق المصالحة على الأرض، أو الاتفاق على أن يكون قرار الحرب والسلام للمؤسسات الوطنية المنتخبة لا لفصيل أو آخر.. لكن وقبل أي تفاوض فلسطيني بحثاً عن مخرج توافقي من هذا المأزق طلب نتانياهو علناً حل الذراع العسكرية لـ«حماس» كشرط أول لتقبل المصالحة الفلسطينية.. الكلام واضح ولا يقبل أدنى لبس، فالسلاح الفلسطيني ممنوع ومقتضيات الأمن الإسرائيلي أساس أي تقبل للمصالحة.
والاهم من السؤال عن السلاح هو السؤال عن المسار الذي قد تأخذه المصالحة الفلسطينية؟ هل هي فقط لترميم البيت الداخلي حتى يكون في وسع الفلسطينيين أن يطرحوا من جديد قضيتهم العادلة على العالم كشعب يعاني تحت الاحتلال أم تهيئة المسرح كله لفرض الاشتراطات الإسرائيلية وفق ما يسمى اليوم بـ«صفقة القرن»؟
بحسب التسريبات الإسرائيلية عن هذه الصفقة، فإن ما يعنيه هذا النوع من السلام هو تصفية القضية الفلسطينية للأبد، أو أن يعيش أهلها في كانتونات معزولة بلا اتصال في أراضٍ أو سيادة على قرار.. إذا ما أطلق على ذلك الوضع اسم «دولة» فإنها ستكون بلا أدنى مقومات تسمح لها بالقدرة على الحياة وتخضع، كما هو الحال الآن، لسلطة الاحتلال.. هل هذا هو المآل المحتمل للمصالحة الفلسطينية؟
بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
12/10/2017
2509