+ A
A -
عادة ما ارتبط اسم أميركا دون غيرها من الدول بكلمة «الحلم الأميركي»، والذي يستهوي خيالات المهاجرين، من بلادهم إلى أرض يرون أنها موطن فرص لا تتاح لهم في بلادهم، أو في غيرها من البلاد. لم يكن هذا الاقتناع بعيدا عن الحقيقة. فطالما أثبتت تجارب لكثيرين من المهاجرين، أن أميركا هي فعلا أرض الفرص.
وتلك خاصية وجدت مع بداية الهجرات القادمة من أوروبا، في وقت كان فيه سكان أميركا الأصليون هم الهنود الحمر. واستطاع القادمون من وراء البحار أن يتعايشوا مع الظروف الصعبة في البداية للحياة هناك. وأن تقودهم طموحاتهم إلى تكوين ثروات هائلة. ثم تأسس نظام سياسي، واقتصادي، واجتماعي، نسب إليهم، باعتبارهم الآباء المؤسسين للدولة.
والسؤال هنا: هل مازال الحلم الأميركي مجسداً كواقع، شأنه شأن الرموز المميزة للولايات المتحدة، سواء كانت رمزاً معنوياً كاحترام حقوق الفرد وحرياته، أو تعبيرياً مثل الإنتاج الإبداعي في مجالات الرواية، والمسرح، والموسيقى. ثم ما علاقة ذلك كله بوصول دونالد ترامب إلى رئاسة أميركا؟
ربما تكون الصدمة التي أفرزت الشكوك قد بدأت ملامحها مع الأزمة المالية الكاسحة، في الولايات المتحدة في 15 سبتمبر 2008، والتي فجرت موجات من الذعر والمخاوف، من تدهور اقتصادي قد يلحق به ركود تام، يماثل الانهيار الذي سببته الأزمة المالية في الولايات المتحدة عام 1929، خاصة انهيار مؤسسات مالية، ووصول النظام المالي إلى حالة من الاختلال الوظيفي.
وبصرف النظر عن الأسباب التي أدت إلى هذه الأزمة، وما حدث من انخفاض مدخرات الأسر، وأزمة سوق العقارات، نتيجة تزايد غير محسوب في الاقتراض، طوال عشرات السنين، والذي حمل الأسر الأميركية عبئا لا يحتمل من الديون.
فقد سبق ذلك هبوط نصيب الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي منذ السبعينيات، وتوقف مستويات المعيشة عند نفس معدلاتها تقريبا، لفترة جيل كاسل، لدرجة أن بعض الاقتصاديين في أميركا قالوا إن خريف عام 2008، سيكون نقطة النهاية لعصر تنتقل أميركا بعده، إلى قرن آخر مختلف.
ويبدو أن هذه التطورات أثرت في المزاج النفسى للأميركيين. ففي أبريل 2008 قال 81 % منهم في استطلاع للرأي، إن بلادهم تمشي في الطريق الخطأ. ثم توالت المؤشرات عن شعور طبقات كاملة بأن أوضاعها الاقتصادية تتراجع أمام تزايد الفجوة بينهم وبين الأغنياء، الذين يزدادون غنى.
يضاف إلى ذلك تحفظات ظهرت لأول مرة، إزاء طرق إدارة النظام السياسي الأميركي، وتركزت التحفظات أساسا على ناحيتين، هما عدم المساواة، أو التفاوت الاجتماعي الذي عرفوه بكلمة INEQUALITY. والناحية الثانية هي التململ من سطوة النخبة ELITE، على صناعة القرار السياسي، والاقتناع بأن النخبة تتأثر رؤيةً، بعلاقاتها مع جماعات المصالح الاقتصادية الكبرى، وقوى الضغط.
وقد طغت هذه التحفظات بقوة على سطح المشهد السياسي أثناء الحملة الانتخابية لترامب، والذي رفع شعار التعبير عنها. وما أكدته استطلاعات الرأي من أن الذين انتخبوه أعطوه أصواتهم لهذه الأسباب. البعض من الباحثين تناولوا هذه الظاهرة باهتمام. وبعضهم أصدر مؤلفات عنها، منهم الكاتب تيلر كاون في كتابه «الطبقة القنوعة: والسعي المحبط للحكم الأميركي»، والذي طرح في كتابه هذا التساؤل: «هل يخون الأميركيون تاريخهم المرتبط ببلوغ الحلم الأميركي.. أم أنهم يعانون بسبب نظام قد تحلل؟».
لقد كان التناغم بين مختلف الطبقات، والشعور بالرضا، وما عرف بالتوافق CONSENSUS بين مؤسسات الحكم وبين الرأي العام، عنصرا يدعم بقوة أداء الدولة خاصة في سياستها الخارجية.
لكن الوضع وصل إلى شيء مختلف، نتيجة الانقسامات التي هزت التوافق من أساسه، والتي بدأت مع نهاية التسعينيات، ومآخذ على النخبة بسبب تعمدها تجاهل التحولات الهائلة في النظام العالمي.
بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
11/10/2017
2441