+ A
A -
توقع رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، أن يؤدي استفتاء انفصال الإقليم، الذي حاز على تأييد أغلبية كاسحة من سكانه، إلى الإمساك بورقة قوية، تمكن حليفته الولايات المتحدة من الاستفادة منها، لممارسة الضغط على الحكومة العراقية لتليين موقفها من مطالب الإقليم، وبالتالي توافق على الاستجابة لبعض طلباته الحيوية، لاسيما ضم مدينة كركوك إلى نطاق إقليم كردستان- العراق، مقابل توقف البرزاني عن تنفيذ نتائج الاستفتاء وإعلان الانفصال.
اعتقدت واشنطن أنه باتخاذها موقفاً علنياً غير مؤيد للاستفتاء يخولها تسويق خطة لاحتواء الموقف، غير أن دول جوار إقليم كردستان العراق سارعت إلى البدء بخطواتها العقابية تدرجاً لإجبار البرزاني على إلغاء الاستفتاء وتدفيعه ثمن خطوته الأحادية الجانب.
البرلمان العراقي اصدر قراراً تضمن جملة خطوات أهمها الطلب من الحكومة اتخاذ الإجراءات العسكرية اللازمة لاستعادة السيطرة على المناطق المتنازع عليها من سيطرة القوات الكردية وأهمها مدينة كركوك الغنية بالنفط، وإقالة موظفي الحكومة العراقية الأكراد الذين صوتوا في الاستفتاء، وعزل حاكم كركوك نجم الدين كريم بالقوة، وإغلاق حدود الإقليم بمساعدة دول الجوار، ووقف صادرات النفط وإغلاق القنصليات الأجنبية في الإقليم، وإجراءات قانونية ضد رئيس حكومة الإقليم إلى جانب القيام بالاستعدادات لعزل رئيس الجمهورية العراقية الاتحادية الكردي فؤاد معصوم.
وأعقب هذه الخطوات العراقية إجراء حيدر العبادي مناورات عراقية تركية، وعراقية إيرانية، هي الأولى من نوعها إلى الشرطة الاتحادية.
وطالب رئيس الحكومة العراقية البرزاني بتسليم جميع المعابر الحدودية والمطارات والصادرات النفطية.
أما إيران فسارعت إلى إغلاق المجال الجوي ووقف الصادرات النفطية في الإقليم.
وأعلنت تركيا أنها ستتخذ إجراءات اقتصادية وإغلاق الحدود وإقفال أنبوب النفط من الإقليم وذلك استجابة لطلب الحكومة العراقية.
هذه الخطوات شكلت إنذاراً أولياً قوياً لمسعود البرزاني من مخاطر توغله في خطواته الانفصالية وتحمل عواقبها، فإذا ما مضى في إدارة الظهر وهرب إلى الأمام فإن الحصار الذي بدأ بوقف حركة الطائرات من وإلى اربيل ورحيل الأجانب سوف يشتد ويخنق الإقليم اقتصادياً ومالياً وعسكرياً وبالتالي ينقلب السحر على الساحر ويصبح البرزاني في وضع لا يحسد عليه، فهو سيكون عاجزاً عن دفع الرواتب لموظفيه، وفي مواجهة نقمة شعبية وحزبية نتيجة خطواته غير المحسوبة، لكن الضرر لا يتوقف على البرزاني، بل سوف يشمل النفوذ والمصالح الأميركية التي تتخذ من إقليم كردستان- العراق قاعدة أمنية وعسكرية واقتصادية على دول الجوار، واستمرار التدخل الأميركي في شؤون دول المنطقة، لاسيما العراق وإيران، ولهذا بدأ جرس الإنذار يدق في واشنطن من النتائج السلبية للاستفتاء على الاستراتيجية الأميركية، وأبرز هذه النتائج التي بدأت بالظهور هي:
أولاً: إضعاف قدرة حكومة البرزاني على التمتع بالاستقلال في اتخاذ القرارات وتقليم أظافرها، وتحجيم مساحة سيطرتها عبر سعي الحكومة العراقية استعادة كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها ومنع البرزاني من حسم سيطرته عليها.
ثانياً: تعاظم نفوذ إيران في العراق، لاسيما في حال جرت الانتخابات العراقية في أبريل 2018 من دون مشاركة الأكراد في إطار تحالف مع أحزاب وقوى عراقية أخرى تراهن واشنطن على تشكيله لحصد كتلة نيابية وازنة في البرلمان العراقي في مواجهة الكتلة البرلمانية المعارضة لأي وجود أميركي في العراق بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي. إن فشل هذه الخطة الأميركية نتيجة الاستفتاء سوف يؤدي إلى إضعاف النفوذ الأميركي في العراق، عدا عن تقويض سلطة البرزاني.
ثالثاً: أما الضرر الثالث بالنسبة للمصالح الأميركية فيكمن في التقارب الذي حصل بين أنقرة وبغداد على إثر الاستفتاء الذي زاد من الفجوة الخلافية بين أميركا وتركيا، على خلفية الدعم الأميركي للأكراد في شمال سوريا وشمال العراق، الأمر الذي تعتبره الحكومة التركية تهديداً لأمنها القومي لا يمكن أن تتساهل فيه، لاسيما أن هذا الدعم غذى الطموحات الكردية لإقامة كونفدرالية في شمال سوريا، وخطوة الاستفتاء الانفصالي في شمال العراق.
ولهذا يبدو أن واشنطن تعتزم تنفيذ خطة لاحتواء هذه المخاطر والأضرار التي ستلحق بالاستراتيجية الأميركية في العراق، وذلك عبر التحرك باتجاه أنقرة لإقناعها بعدم محاصرة إقليم كردستان وتشجيع بغداد على الدخول في حوار مع البرزاني من دون اشتراط إلغاء الاستفتاء، بما يحفظ لحكومة كردستان قدرتها على مواصلة صلاحياتها المهددة بالإجراءات العقابية التي أعلنتها بغداد، كما تسعى واشنطن من خلال خطتها إلى الحيلولة دون تطور العلاقات التركية الإيرانية العراقية من ناحية، والعلاقات التركية الروسية من ناحية ثانية، لما لذلك من انعكاسات سلبية على النفوذ الأميركي في المنطقة.
لكن نجاح الخطة الأميركية في احتواء التداعيات السلبية لخطوة الاستفتاء مرهون بمدى قبول رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي والبرزاني بالوساطة الأميركية والدخول بحوار من دون أن يشعر أي طرف بأنه تنازل للآخر، كما أن نجاح الخطة مرهون بحمل الرئيس التركي أردوغان، والعبادي على إقناع جمهورهما بأن خطوة الاستفتاء لن تقود إلى تحركات كردية نحو الاستقلال الكامل أو الضم الدائم للأراضي المتنازع عليها، وبالتالي دفع البرزاني إلى اتخاذ مواقف تؤكد هذا التوجه لاحتواء الغضب العراقي التركي وتفادي الإجراءات العقابية.
غير أنه من الواضح من خلال قراءة المواقف العراقية والتركية، وكذلك الإيرانية، أن الخطة الأميركية تواجه صعوبة كبيرة في بلوغ أهدافها لأن هذه الدول أعلنت موقفاً واضحاً وهو أنها لن توقف خطواتها العقابية المتدحرجة ضد حكومة إقليم كردستان العراق إلا إذا أقدمت الأخيرة على إلغاء الاستفتاء واحترام قوانين الدولة الاتحادية العراقية وتسليم المعابر الحدودية مع دول الجوار والمطارات والصادرات النفطية لقوات الشرطة الاتحادية.
بقلم : حسين عطوي
copy short url   نسخ
07/10/2017
6459