+ A
A -
«إذا طالبت كل مجموعة عرقية أو دينية أو لغوية بأن يكون لها وضع الدولة، فلن يكون هناك حد للتفكك»، بهذا الإيجاز في العبارة، وبهذه الكثافة في الموقف، سبق لبطرس غالي أن لخص كل الحكاية الطويلة، المعقدة، المتشعبة والمثيرة لمبدأ الحق في تقرير المصير.
عندما صرح بذلك، كان هذا الدبلوماسي المصري، يحمل وراءه خبرة فقهية استثنائية في القانون الدولي، وتجربة وطنية ودولية طويلة في السياسة الخارجية، وأكثر من ذلك كان أمينا عاما للأمم المتحدة.
منذ نهاية الأسبوع الماضي، يعود المبدأ الشهير للبروز في خلفية الأحداث التي تعرفها إسبانيا مع تزايد المطالب الداعية لاستقلال كاتالونيا، وردود فعل الحكومة المركزية لمدريد. ربما لم يعرف القانون الدولي مبدأ يستطيع إثارة كل هذا الجدل والاختلاف والتوترات، مثل هذا المبدأ، في الفقه والممارسة، في القانون والسياسية، في الفكر والايدولوجيا.
هل يتعلق الأمر، عند الحديث عن تقرير المصير، بتوصية سياسية عامة أم بإقرار قانوني ملزم؟. هل نحن أمام مبدأ مطلق أم قاعدة نسبية التطبيق؟. هل الاستقلال هو الصيغة الوحيدة لتفعيله؟. أليس هناك تمييز بين حالات تطبيقه في سياقات الاستعمار الأجنبي وبين حالات أخرى تقع داخل الإطار الوطني؟
تقدم الفقه القانوني كثيرا، تجاوبا وتفاعلا مع تطور المرجعيات الدولية المنظمة للمبدأ، في الجواب على كثير من الأسئلة الحارقة الأخرى التي يطرحها هذا «الحق»، واهتم القانون الدولي بتدقيق شروط الحديث عن تقرير المصير، وعن صيغه، وتم التمييز بين حق تقرير المصير الخارجي وحق تقرير المصير الداخلي. لكن المبدأ لا يزال قادرا على إثارة الجدل والزوابع. في مسيرته التاريخية القصيرة، عاش مضمون المبدأ ترحلات وتحولات عديدة، وإذا كان قد بدأ في سياق الظاهرة الاستعمارية خلال القرن الماضي، حاملا لمضمون ثوري ووطني، فإنه اليوم قد أصبح يعني في السياق الأوروبي الراهن واحدا من مؤشرات نهاية فكرة «الدولة– الأمة».

بقلم : حسن طارق
copy short url   نسخ
06/10/2017
2721