+ A
A -
يبعد اقليم كتالونيا الاسباني عن اقليم كردستان العراق نحو 3500 كيلومتر، ولا يجمع بين المنطقتين أي رابط، الا ان سكان هذين الاقليمين اللذين يتمتعان بالحكم الذاتي ذهبا في اسبوع واحد إلى صناديق الاقتراع للادلاء بأصواتهم على هدف واحد وهو الاستقلال التام. الكتالونيون تجاهلوا قرار المحكمة الدستورية الاسبانية القاضي بمنع اجراء هذا التصويت، كذلك فعل اكراد العراق الذين اداروا الاذن الطرشاء لحكومة بغداد وبرلمانها ولكل التحذيرات التي صدرت عن انقرة وطهران وعواصم دولية كبرى. هنا وهناك المقترعون قالوا «نعم» كبيرة للانفصال.
تعددت الاسباب والحوافز في كلا الاقليمين للقيام بالخطوة الجريئة أو المتهورة. لكن حتما تزامن التوقيت كان مجرد صدفة، وان كان كل من الاستفتاءين سيقودان في النهاية إلى تداعيات تتعدى الحدود الجغرافية للاقليمين إلى ما هو ابعد من حدود دولهم الحالية ولاسيما في الحالة الكردية الشديدة الخصوصية والفائقة التعقيد والحساسية في منطقة شاسعة تعيش على مرجل من الازمات الساخنة.
والامر الانفصالي لا يتوقف على الكتالونيين والاكراد، ذلك ان شعب الكاناك في كاليدونيا الجديدة، يستعدون العام المقبل للمشاركة في استفتاء على استقلالهم عن فرنسا. كذلك سيفعل سكان مقاطعة بوغانفيل التي تتمتع بحكم ذاتي في دولة بابوا غينيا الجديدة في 2019. وفي ايطاليا نظمت الأقاليم الغنية التابعة لمقاطعة فينيتو ولومبارديا استفتاء استشاريا، ضمن إطار دستوري محدد بدقة، بهدف التمتع بحكم ذاتي. وللتذكير، فإن بلجيكا ذاتها انفصلت عن هولندا بسبب الاختلاف الديني (بلجيكا ذات غالبية كاثوليكية وهولندا بروتستانتية). كذلك حدث حبيا في تشيكوسلوفاكيا السابقة بين التشيك والسلوفاك. بينما كان الانفصال مدمرا على الاساس القومي بين جمهوريات الاتحاد اليوغوسلافي السابق.
ومع اقتراب نهاية اقاليم الإرهاب التي ترعرت في السنوات الاخيرة في الشرق الاوسط، يشير الاستفتاءان الكردي والكتالوني وما قد يليهما من ارتدادات في دول مجاورة أو بعيدة إلى بوادر خطيرة بانتقال العالم إلى محنة جديدة. ومن خلال هذه الافعال وردود الافعال عليها يبدو أنّ الأمل في الاستقرار لن يستمرّ طويلاً، وكأن حروب الأقليات ستحلّ مستقبلاً محلّ حروب الإرهاب.
انتفاضة الأقليات ليست محصورة في منطقة بعينها، نظرا إلى طابعها المعولم. واذا كان ما يحدث في كردستان لا يعني العراق وحده، فان ما يحدث في كاتالونيا لا يهم إسبانيا وحدها ايضا، فجزء من الكاتالونيين يمتدّ إلى فرنسا ومثلهم الباسك الطامحون للاستقلال ايضا، بما يعني أنّ الانفصال إذا ما تحقّق يوماً فإنه سيشجع على عودة الروح لحركات كانت قد صنّفت في السابق على لوائح الإرهاب في أوروبا. ويمكن أيضاً أن يستعيد الكورسيكيون في فرنسا مطالباتهم بالانفصال وهم الذين لم ينضموا إلى فرنسا إلا في بداية التاريخ المعاصر. بلجيكا أيضاً مهدّدة بصراع متجدّد بين مكوّنيها العرقيين واللغويين، وقد لا يترتب على هذا الصراع مجرد تعطيل تشكيل الحكومة كما حصل في السابق لمدّة تجاوزت السنة، بل فرض الأمر الواقع وتقسيم البلاد.
وكل هذه السيناريوات، وغيرها أيضاً، ليست من قبيل الخيال العلمي، لأنها ترتبط بحركات احتجاجية أو مسلحة نشطت في السابق على مدى عقود ولم يتراجع حضورها وتأثيرها إلاّ في السنوات الأخيرة، من دون أن تتراجع مطالبها وآمالها. فيمكن أن تعود في أية لحظة إذا ما رأت الفرصة سانحة، لا سيما أنّ الوضعين الاقتصادي والاجتماعي الضاغطين، بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، يمثلان باستمرار عاملاً مناسباً لتنامي مثل هذه الحركات.
قد يكون منطق تقسيم الدول ضرورياً في حالات خاصة، لكنه في الغالب قد يكون خطيرا مثل لعبة الدومينو. مجرد سقوط حجر يجر إلى سقوط كل الاحجار المصطفة امامه. واذا كانت الديمقراطية حلا لتعايش مكونات مختلفة في بلد واحد، لكنها ليست شرطا كافيا بدليل ان الحركات القوميات لا تزال تجد المواد اللازمة لتغذية نزعاتها الانفصالية في دول اساسية في معقل الديمقراطية الاوروبية. فهل ان العالم على عتبة ثورة قوميات بعدما اعتقدنا خطأ ان زمن الدولة القومية قد ولّى إلى غير رجعة بفعل العولمة والديمقراطية وعصر التكتلات الاقتصادية الكبرى؟!

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
06/10/2017
2821