+ A
A -
تشكل العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، حالة يلعب فيها التناقض دورا يصعب إغفاله، وبصرف النظر عن مخاوف أميركية من صعود الصين وما يحمله من خلق تنافس مع النفوذ الأميركي في آسيا، فإن المواجهة الأميركية مع كوريا الشمالية، أوجدت موقفا، ترى فيه أميركا أن الصين يمكنها بسهولة أن تتخذ إجراءات ضاغطة على كوريا الشمالية، للتوقف عن تجاربها النووية والصاروخية، وتهديداتها المتتالية، خاصة للولايات المتحدة، وحلفائها في المنطقة.
لكن الولايات المتحدة تدرك في الوقت نفسه، أن احتياجها للعلاقة الحسنة مع الصين، يضعها في موقف الامتناع عن أي تصرفات من شأنها استفزاز الصين، حتى ولو تعلق الأمر بكوريا الشمالية.
ويعتبر الجانب الاقتصادي. من وجهة النظر الأميركية – هو المنطقة المؤثرة على علاقة الصين بكوريا الشمالية، نظرا لأن 90% من صادرات كوريا الشمالية، تذهب إلى الصين المجاورة لها، شاملة الفحم، والحديد، ومنتجات الأغذية البحرية. كما أن جميع واردات كوريا الشمالية من البترول، والتي تبلغ عشرة آلاف برميل يوميا، تعد جزءا من 12.5 مليون برميل إجمالي ما تستورده الصين من الخارج. وإذا كانت هذه العناصر الاقتصادية، تضع في قبضة الصين نفوذا وقوة تأثير فعالة، إلا أنها في المنظور الاستراتيجي، لا تجعل الصين على يقين من رد فعل الزعيم الكورى الشمالي كيم جونج أون، الذي تتسم ردود أفعاله، ببعدها عن ضمان التكهن بما قد يفعله.
وإن كان الرئيس الأميركي رونالد ترامب، يظل مقتنعا بقدرة الصين على تصعيد العقوبات الاقتصادية على جارتها، التي يراها متمردة على المجتمع الدولي، بل وعلى حلفائها وكانت الصين في الحقيقة وفي إطار تأييدها لقرار مجلس الأمن الأخير، بفرض عقوبات اقتصادية على كوريا الشمالية، قد جمدت وارداتها من الفحم والحديد، والمواد الغذائية البحرية من بيونج يانج.
ويبقى مأزق علاقة أميركا بالصين، بشكل عام، فمنذ منتصف التسعينيات، اقتنع المسؤولون الأميركيون، بأن الصين تشهد تصعيدا في قوتها بصورة تضعها في موقف التحدي للمصالح الأميركية، ونفوذها في شرق آسيا، وأيضا على المستوى الدولي.
لكن هناك وجهة نظر أخرى على مستوى خبراء السياسة في الولايات المتحدة، والمختصين بالشؤون الآسيوية، ترى أنه كلما أصبحت الصين أكثر ثراء، فإنها تكون أكثر توجها نحو الديمقراطية، لأن شعبا تزداد فرصه في الثراء، تقوى مطالبته بأن يكون له رأي في إدارة شؤون بلاده، وكلما اندمجت الصين في الاقتصاد العالمي، وفي المنظمات الاقتصادية والتجارية الدولية، كانت أكثر نزوعا نحو السلام والاستقرار الدوليين، ويتأكد اهتمامها بالمحافظة على النظام الذي صارت شريكا فيه.
وطوال عشرين عاما مضت، كان هذا الاقتناع يمثل قوة دفع لصناع القرار السياسي في الولايات المتحدة، للتأكيد على ضرورة إشراك الصين اقتصاديا ودبلوماسيا في السياسات الاقتصادية العالمية.
وارتباطا بذلك، عملت الولايات المتحدة، على فتح أسواقها أمام المنتجات الصينية، وتمهيد الطريق أمام انضمام بكين للمؤسسات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية، وان لم يمنع هذا الولايات المتحدة من موازنة هذا التوجه بسياسات للحد من تأثير سيطرة النفوذ الصيني على حلفائها في آسيا، من خلال علاقات مشاركة استراتيجية مع دول آسيوية متعددة.
وهكذا يستقر هذان التوجهان، بين عدم الارتياح التام لعدم إقدام بكين على التشدد في ضغوطها الاقتصادية على بيونج يانج، وبين حرصها على تفادي الإقدام على أي تصرف يؤثر سلبا على علاقتها بالصين، بالرغم من اقتناعها بأن في مقدور بكين أن تفعل الكثير، لردع جارتها المتمردة على الولايات المتحدة.
بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
04/10/2017
2487