+ A
A -
نفذ مسعود البارزاني وعيده وأجرى الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان عن بغداد ضاربا عرض الحائط بكل التحذيرات المحلية والإقليمية والدولية. وبغض النظر عما إذا كان البارزاني سيمضي في التحدي وصولا إلى إعلان الدولة الكردية المستقلة أو جعل نتيجة الاستفتاء ورقة تفاوض قوية إزاء حكومة بغداد لينتزع منها ما عجز الإقليم عن نيله بالحوار والمناورات أو بحكم الأمر الواقع في السنوات التي تلت انهيار الدولة المركزية الشمولية بعد الغزو الأميركي عام 2003.
فإن العبرة تبقى في السؤال: هل سيوفر هذا الاستقلال أو الإجراء الممهد له الرفاه والأمان للشعب الكردي؟ أم سيكون كابوسا يعزز القلق والانقسامات الداخلية وظروف المعيشة الرديئة والتدخلات الخارجية والتبعية؟
ليس الأكراد أول أقلية تطالب بالاستقلال عن الحكومة المركزية لدولتها، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة. وقد يكون من الحكمة أن تستخلص القيادة في اربيل الدروس من الحركات الاستقلالية السابقة، ولا سيّما تلك التي فشلت. ويشكل جنوب السودان مثالًا حديثًا. ويتشارك إقليم كردستان اليوم عددًا كبيرًا من أوجه الشبه مع جنوب السودان قبل أن يصبح دولةً مستقلة، فكلاهما غني بالنفط، وغير ساحلي، وتربطه علاقات متوترة بالحكومة المركزية، ويضمّ أقليّات عرقية ودينية مهدّدة.
عام 2011، أعلن جنوب السودان استقلاله. ومنذ ذلك الحين تدهور الوضع بشكل كبير. وقد شكّل الفساد عاملاً أساسياً مساهماً في فشل الدولة، وهناك اليوم فصيلان سياسيان متخاصمان يتحاربان للسيطرة على عائدات الفساد. كما أنّ الفوضى والاستغلال طردا الاستثمار وقلّصا كل الآمال بالنمو الاقتصادي.
فهل سيتجاوز الأكراد العقبات التي أحبطت آمال أهل جنوب السودان؟ وهل سينجحون في معالجة مشاكلهم الراهنة للحؤول دون اندلاع أزمات مستقبلية؟
الأرجح أن النظام السياسي المستقبلي في كردستان سيكون امتدادًا للنظام القائم، الذي يبدو نظريًا ديمقراطيًا إنما من الناحية العملية يزداد استبدادًا. فـ «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة البارزاني يعتبر نفسه الحاكم الشرعي لإقليم كردستان كونه الفائز في الحرب الأهلية مع «الاتحاد الوطني الكردستاني» بين عامي 1994 و1998. وبما أن البارزاني يعتبر ملكا في كردستان العراق، فهو لن يقبل بالديمقراطية إلا ضمن الحدود التي تخدم مصالحه. وهكذا ثمة احتمال كبير أن يكون الهدف الحقيقي من ترسيخ سلطة البارزاني وعشيرته وحزبه وتاليا التمهيد لإرساء نظام استبدادي عوضا عن بناء الدولة والمؤسسات.
كذلك فان البشمركة ايضا منقسمة الولاء بين حزب البارزاني في اربيل وحزب الطالباني في السليمانية ولا تنضوي تحت راية مؤسسة. وهذه الطبيعة المفككة للقوات الأمنية هي افضل وصفة لتهديد الاستقرار في ظل سباق على الفساد واستغلال الثروة.
ونظرا إلى أن اقتصاد إقليم كردستان يعتمد اعتمادا كبيرا على النفط، فمن غير المحتمل أن يبقى صامدا على المدى الطويل. فخلال السنوات الخمس والعشرين الفائتة، عجزت السلطات الكردية عن بناء اقتصاد محلي قوي قادر على تأمين أساس متين لبناء دولة مستقلة. وفي الواقع، عملت على تدمير الاقتصاد التقليدي لصالح النفط وشجعت الاستهلاكية داخل المجتمع الكردي.
ويواجه اقتصاد «حكومة إقليم كردستان» مشاكل هيكلية ترتبط بالفساد وانعدام الشفافية واحتكار الأسواق والتدخل المفرط في الشؤون الحكومية من زعماء الأحزاب لصالح شركات أو أشخاص نافذين. وساهمت هذه المشاكل في انتشار الظلم والتفاوت الطبقي واتساع الهوة بين الريف والمدينة.
وجغرافيًا، كردستان لا تملك منفذًا بحريًا ومحاطة بالكامل من دول مجاورة تخاصمها، وتاليا فإن الموقع الجغرافي وانعدام الاكتفاء الذاتي قد يجعلان «حكومة إقليم كردستان» تخسر سيادتها الوطنية أو يؤديان إلى رضوخها لإحدى الدول المجاورة لا سيما تركيا أو إيران.
وفي حال رضخت الحكومة، ستعاني دولة كردستان من تدخلات متكررة قد تزعزع استقرارها. وقد تصبح دولة كردستان المستقلة مسرحًا شائعًا للصراعات الإقليمية.
هل هذا هو حلم الأكراد ببناء دولة مستقلة تؤمن الرفاه والأمان والديمقراطية لشعبها، أم انه غاية زعيم لا يراوده سوى حلم التفرد بالقيادة؟

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
29/09/2017
2880