+ A
A -
نتيجة الاستفتاء الذي طرحه مسعود البرزاني حول استقلال إقليم كردستان لم تكن أبدا موضع شك، ولكن المسألة تكمن في التوقيت والغاية منه. فهو يرأس مجلس الإقليم منذ اثنتي عشرة سنة و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» منذ ثمانٍ وثلاثين سنة، خلفا لوالده مصطفى البرزاني الذي أسس عام 1945 «جمهورية مهاباد» الإيرانية، أول جمهورية كردية في التاريخ الحديث.
تمرس مسعود إذن كزعيم سياسي لأكبر حزب كردي يجيد مخاطبة الجمهور والتعاطي مع طموحاته وهواجسه، وكيفية الحفاظ على الوحدة والتماسك الداخلي عبر الحوار والتنسيق مع شريكه ونده «الاتحاد الوطني الكردستاني» الذي تزعمه الراحل جلال الطالباني، أول رئيس كردي للعراق. وقد مكنه ذلك من إعادة انتخابه رئيسا عام 2009 بنسبة فاقت 70 في المائة من الأصوات. ويتقن مسعود أيضا دوره كرئيس دولة عرف كيف يحافظ على مسافة وعلى هامش مناورة بينه وبين السلطة المركزية في بغداد. فهو اختبر حكم «البعثي» صدام، واليوم يختبر حكومة الوصاية الإيرانية. وهو يفاوض الحكومة العراقية بانفتاح ومرونة، ولكن في الوقت عينه بحزم وبحنكة وبرودة أعصاب. وعندما يفاوض بغداد يفاوضها كرئيس للجبهة الكردستانية التي تضم معظم الأحزاب والمنظمات الكردية، وليس فقط من موقعه كرئيس.
تجربة الحكم الذاتي كانت مريرة منذ زمن والده، الذي انتزعها عام 1970 بعد وصول «حزب البعث» إلى السلطة، ثم قام صدام في 1974 بالانقلاب على الاتفاق منكلا بالأكراد والشيوعيين، بعد أن كان قد فتح أمام هؤلاء الآخرين جنة الحكم بتشكيل «جبهة وطنية» بين الحزبين وإشراكهم في الحكومة. وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وإسقاط صدام، بدأت صفحة جديدة من التعاون شارك فيها الأكراد مع القوى والأحزاب العراقية في صيغة الحكم الجديدة بإشراف ورعاية أميركية مباشرة شرذمت وطيفت تركيبة الموزاييك العراقي. ومع انسحاب القوات الأميركية من العراق أخليت الساحة لإيران التي أحكمت قبضتها على السلطة المركزية عبر رئيس الحكومة نوري المالكي، الذي راح يصعد المواجهة مع الأكراد محاولا زرع الشقاق في صفوفهم.
ومع سيطرة «داعش» على الموصل سارعت قوات «البشمركة» الكردية إلى بسط سيطرتها على مدينة كركوك، وأعلنت قيادة الإقليم أنه تم تطبيق المادة 140 الخاصة بمستقبل كركوك (أي اعتبارها جزءا من كردستان)، عندها اتهم المالكي الأكراد بالتآمر مع «داعش» في الموصل تمهيدا لتقسيم العراق. وما هي إلا أسابيع قليلة حتى كان «داعش» يتقدم باتجاه أربيل عاصمة الإقليم، فيما كانت دفاعات «البشمركة» تتهاوى في مخمور وسنجار وزمار وغيرها من المدن والمناطق. وشكل تقدم «داعش» صدمة لأربيل وبغداد على السواء خاصة أنه تمخض عن مجازر ضد الأيزيديين والأقليات التاريخية كالآشوريين والصابئة وغيرهم...
عندها قررت قيادة الكردية ترك بغداد ومشاكلها والتفرغ لمعركة الدفاع عن الإقليم، واستبسل الأكراد في القتال ونجحوا في تحويلها إلى معركة في محاربة الإرهاب. واضطرت واشنطن عندها إلى التدخل وتقديم الدعم والسلاح بعد أن كانت الإدارة الأميركية قد قررت في وقت سابق الانسحاب وعدم العودة إلى العراق. وكان لافتا أن قوات «وحدات حماية الشعب الكردي» في سوريا كانت أول الواصلين إلى سنجار قبل وصول «البشمركة»، واللافت أكثر أنها المرة الأولى في التاريخ التي يلتقي فيها مقاتلون أكراد من العراق وسوريا وإيران وتركيا على أرض كردية للقتال معا في خندق واحد في معركة أطلق عليها البعض «معركة الشرف والكرامة». فيما كان المالكي يسحب الجيش العراقي ويسلم الموصل لـ«داعش»، بعدما أصيب بهزيمة نكراء على أيدي «البشمركة».
البرزاني إذن في موقع قوة اليوم أمام هشاشة السلطة المركزية «المطيفة» في بغداد، مقدما تجربة حكم في الإقليم ناجحة سياسيا واقتصاديا وعمرانيا وأمنيا ومدنيا. يحاول أن يستفيد من مرحلة انتقالية غير واضحة المعالم وغير مضمونة التي تمر فيها المنطقة لكي يستقل لم لا، و/أو لفرض حوار بشروطه حول ملفات شائكة مثل النفط والعائدات المالية ووزن الأكراد في صناعة القرار في بغداد.
بقلم : سعد كيوان
copy short url   نسخ
27/09/2017
2376