+ A
A -
منذ طفولتنا حلمنا بالوحدة العربية، وتعلمنا نشيد «بلاد العرب أوطاني» قبل أن نتعلم النشيد الوطني، وعلمونا أن نرفض مصطلح «العالم العربي» ونفضل عليه مصطلح «الوطن العربي». منذ طفولتنا انشغلنا بتحرر العرب، وتطوع كثيرون للقتال مع الثوار الجزائريين، ولست بحاجة لأن أذكركم بالشهيد «جول جمال» في العدوان الثلاثي على مصر. ويحسب كثيرون الدعوة إلى الوحدة العربية والإيمان بحتميتها أمراً جديداً، ظهر مع الأحزاب القومية وعبدالناصر بعد ثورة يوليو 1952، ولكن هذا الاعتقاد خاطئ، فلقد آمن عرب كثيرون- لاسيما في سوريا - بهذه الوحدة ودعوا إليها قبل هؤلاء.
ونقرأ للزعيم الوطني السوري الشهير الدكتور عبدالرحمن الشهبندر مقالة نشرها في 22-2-1933 يدعو فيها إلى الوحدة، ويبرر ضرورة قيامها، ويتخيل قوة الدولة التي يمكن أن تنشأ عن هذه الوحدة، بل إنه يضع بعض الخطوط العريضة لبدايتها ومسيرتها، فيرى أنها تقوم على وحدة العقيدة، والتاريخ المشترك، وتماثل العادات والتقاليد، ووحدة اللغة.
ونلاحظ أنه يقول «القطر السوري» وقد ظن كثيرون أن هذا المصطلح من نتاج أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، ولكن المقالة تؤكد أنهم كانوا قبل أكثر من ثمانين سنة يصرون على استخدام كلمتي «قطر» و«أقطار» لأنها أمة واحدة. ويشرح الشهبندر الخطوات التي كانوا يتصورونها للوحدة في الأقطار المتقاربة ثقافياً واجتماعياً (ومتى تألفت) الولايات العربية المتحدة» الأولى من الأقطار المتجانسة كانت النواة التي تتجمع حولها الولايات اللاحقة)، ويصر هذا الزعيم الوطني على اللغة والثقافة والمعرفة.
«وبديهي أنه لابد للناطقين بالعربية قبل أن يتمكنوا من التحالف السياسي، أن ينشروا الثقافة الحديثة بينهم، وأن يقرؤوا التاريخ في ضوء النهضات القومية الحديثة، وان يتزودوا بالعلوم المادية والمعنوية التي تزودت بها جميع الأمم التي شقت طريقها إلى الحرية والاستقلال» ويقول:
«لقد سئمنا أن نبقى حتى الآن عالة على غيرنا، ولن تأتي هذه الثقافة الجديدة إلا إذا تضافرنا وضممنا مواهبنا وميزاتنا وعزائمنا بعضها إلى بعض».
وهكذا نجد الأسلاف يبحثون عن دولة مبنية على العلم والثقافة الحديثة «تفك قيدنا، وتخرجنا من السجن الضيق، وتعيد مجدنا، وتجعلنا أمة أهلاً للأمانة التي تحملها في عنقها».
استقلت «الأقطار» العربية كلها، وتعلم أبناؤها، وانتشرت فيها الجامعات والمعاهد، ويفترض أنها اكتشفت أفضل السبل لوحدتها، ولكنها مازالت أبعد عن تحقيق هذا الحلم من عبدالرحمن الشهبندر ورفاقه في أوائل القرن العشرين، وجربنا الوحدة مرة ففشلت، فتراجع الحلم أكثر، وما من تجربة وحدوية قربتنا من الوحدة المنشودة. اتحدت أوروبا التي خاضت حربين عالميتين أهلكتا الأخضر واليابس، ومازلنا متفرقين.

بقلم : نزار عابدين
copy short url   نسخ
25/09/2017
2284