+ A
A -
في مذكراته التي أصدرها في كتاب تحت عنوان «كتابيّه»، حكى السيد عمرو موسى، وزير خارجية مصر الأسبق، وأمين عام جامعة الدول العربية.. الأسبق أيضا، أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان يستورد طعاماً خاصاً له من الخارج، وتحديداً من سويسرا، لاهتمامه بنظام غذائي يؤدي لخفض الوزن، وأنه كان يرسل من وقت إلى آخر من يأتي له بأصناف معينة من الطعام الخاص بالريجيم من سويسرا.
موسى، وتأكيدا للرواية، قال إنه خلال عمله بسفارة مصر في سويسرا كان رجل ضخم الجثة يأتي لاستلام الطعام، وكان موسى هو المسؤول عن تسليمه له.
لست بالطبع في وارد مناقشة صحة الرواية «الموسية» من عدمها. فهي في كل الأحوال مجرد «حدوتة» عابرة، ونوع من أنواع البهارات التي يستحب تسويقيا، رشها على نوعية كتب المذكرات الشخصية. لكن قطعا استوقفتني تلك الضجة، وذلك الصخب الرهيب الذي أحدثته. فدراويش الزعيم رفعوا صوره على أسنة المقالات الصحفية، والبرامج التليفزيونية، رافضين بشكل قاطع هذه الرواية التي تنال من زهد زعيمهم!.
وللحقيقة فالقوم محقون فيما فعلوا، ومعذورون إن صاحوا وانتفضوا، فتلك هي آخر خطوط دفاعهم المستميت عن الرئيس الراحل، وهي تخص شخصه، وما أدراك ما شخص الزعيم بالنسبة لعباد ذوات زعمائهم، بدليل أن كتاب المذكرات نفسه، مليء بالروايات عن هزيمة 67، ورغم أنها حدث مفصلي مرير في تاريخ مصر والأمة العربية، إلا أن دراويش الزعيم لم يتوقفوا عندها كثيرا، ولا قليلا أيضا.
تلك هي أزمة كل من يتعبد في محراب الفرد. فإن قلت للذين يتمترسون خلف فقر الزعيم وزهده «المزعوم على حد مذكرات عمرو موسى»، إن الرجل قاد البلاد والعباد إلى أنكر هزيمة، أسقطت الأراضي العربية، في أيدي من كان يهدد بإلقائهم في البحر، قالوا لك إن المسؤولية على من حوله، مردفين بسرعة، لقد كان رجلا فقيرا وزاهدا. وإن قلت إنه نموذج للطغيان وحكم الفرد، وهو من أسس للاستبداد، والاستبداد بيئة الفساد المثالية. قالوا لك لكنه لم يكن فاسدا، بدليل أنه كان فقيرا وزاهدا. فإذا افترضنا عدم صحة «حدوتة» عمرو موسى، وأن عبدالناصر كان فعلا فقيرا.. زاهدا، فهل يغفر له ذلك ما تقدم من استبداد.. وما تأخر؟.
بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
24/09/2017
2589