+ A
A -
- 1 -
لا ينكر إلا مكابرٌ أهمية الاختراق الذي أحدثتْه اتفاقية الدوحة في تغيير الأوضاع وواقع الحياة بدارفور.
الآن لم تعد دارفور كما كانت من قبْل، أرضاً للصراع والاقتتال بين الحكومة والفصائل المُسلَّحة وسلب ونهب العصابات. عادت الحياةُ لطبيعتها المُسالمة والآمنة مع بقاء بعض آثار الحرب ومظاهرها، ولكنَّ هذا يُعَدُّ وضعاً طبيعياً، فما أحدثته الحربُ من دمارٍ ومآسٍ خلال أربعة عشر عاماً يصعب تجاوزه في سنوات قلائل فما حدث بمعسكر كلمة من اشتباكات هو واحد من تلك المظاهر.
- 2 -
في هذه الأيام، تستقبل دارفور الرئيس عمر البشير بحفاوة غير مسبوقة وحشود جماهيرية، لم تشهد دارفور لها مثيلاً من قبل.
اختار البشير أن يخاطب أهل دارفور، وعبرهم يخاطب العالم، من المناطق التي ارتبطت بأسوأ أيام الحرب. أراد البشير وبجسارة سياسية نادرة أن يقول ها أنذا يتم استقبالي وتكريمي جماهيرياً في المناطق التي تزعم المحكمة الجنائية بلاهاي أنها مسارح اتهامي بارتكاب جرائم الحرب والإبادة العرقية. لو صحَّتْ تلك الاتهاماتُ وصدق ذلك الزعم، لما خرج أهل الضحايا لاستقبالي والاحتفاء بزيارتي.
-3-
في الزيارة السابقة للرئيس عمر البشير لمدينة الفاشر، قدَّم كلمةً ضافيةً أمام الحشد الجماهيريِّ الكبير، وعد فيها بمواصلة مشاريع التَّنمية في دارفور، والاستمرار في طلب تحقيق السلام.
لم تكن كلمة الرئيس البشير وقتذاك ولا كلمته الآن حديث بشريات وأمانٍ، ولكنها حملت رسائل صريحةً وواضحةً بلا مواربةٍ أو غموض.
السَّلام هو الخيار ولا بديل لوثيقة الدوحة.
والقتال لا يكون إلا بالاضطرار.
وجمع السِّلاح لن يستثنيَ جماعةً أو أفراداً.
-4-
وقتها قلنا: سيكتب التاريخ، أنَّ اتِّفاق الدوحة أهم اتفاق تمَّ توقيعه لإنهاء دوامة الحرب في دارفور، برعاية دولة قطر الشقيقة ولو لا قطر لما حدث كل ما يحدث الآن من استقرار وترسيخ لثقافة السلام.
كلمة السر التي فتحت بها الدوحة الأبواب المُغلقة كانت رفع قيمة دور أهل المصلحة في تحقيق السلام وحماية مكتسباته.
-5-
(77) مبادرة لتحقيق السلام منذ اندلاع الحرب في دارفور عام 2002، كلُّها باءت بالفشل والخسران المبين. منذ التوقيع على وثيقة الدوحة وبدايات التنفيذ اتجهت جهات عدَّة، لاغتيال الوثيقة في مهدها، وتشييعها إلى المقابر الجماعيَّة للاتفاقيات:
أسلحة الحركات الرافضة لعملية السلام استهدفت مشاريع الإعمار والتنمية في دارفور وتعاملت معها كأهداف عسكرية، وحينما قوبلت تلك الاعتداءات برفض واستهجان شعبي ودولي واسع كفت الحركات أذاها عن مشاريع التنمية.
جهات عدَّة ظلَّت تُحرِّض النازحين على عدم مغادرة المُعسكرات لتظلَّ مسرحاً لتجسيد الأزمة واستخدامها، ولكن ما أن أنجزت الدوحة مشاريع القرى النموذجية حتى أصبح خيار العودة الطوعية هو الخيار الأكثر جاذبية.
-6-
أثناء حضوري لفعاليات مؤتمر مانحي دارفور بالعاصمة القطرية، لفت نظري حضور ممثلي عددٍ كبيرٍ من الدول بصفتهم مانحين، أطلقوا وعوداً وقطعوا التزاماتٍ كانت في غالبها سراباً بقيعة!
وآخرون اكتفوا بحسن القول عن ناجز الفعل.
قطر وحدها كانت على الوعد والالتزام، أعطت بغير حدود وبلا مَنٍّ أو أذىً، أو أجندة خفية، ترتجي منها تحقيق مصالح في نهاية المسار.
ولولا حكمة الوسيط القطري سعادة السيد أحمد بن عبد الله آل محمود، وصبره النبيل وتواضعه الرفيع؛ لما وصلت اتفاقية الدوحة إلى ما وصلت إليه من نجاح وإنجاز على أرض الواقع، لا تُخطئه عين ولن تتجاوزه أقلام التاريخ.
-7-
الحشود الكبيرة التي خرجت لاستقبال الرئيس البشير والاستماع إلى خطابه أكدت بوضوح أن خطاب الحرب لم يعد له سوق بدارفور. والأهم من ذلك تأكد للجميع أن حركات دافور المسلحة فقدت جميع أوراقها السياسية التي كانت تُناور بها وتُراوغ عبرها هروباً من التزامات السلام الذي أصبح خيار الأغلبية الكاسحة في دارفور بعد اتفاقية الدوحة.
-أخيراً-
إذا كانت مُهمَّة الحكومة السودانية سابقاً تحقيق السلام عبر التَّفاوض والحسم العسكريِّ، فهي الآن أمام مُهمَّة أكثر صعوبة، وهي الحفاظ على ما تحقَّق والإضافة إليه، بحيث يُصبح ما حدث تحوُّلاً شاملاً، وليس هدنةً مؤقتةً قابلةً للانتكاس.
الأمل والرجاء أن تظلَّ الدوحة راعيةً وداعمةً لمشروع السلام والتنمية بدارفور، في ظلِّ ما تحقَّق من أمن واستقرار بالإقليم، لأنها الضامن الأساسي لكل ما تحقَّق والرقم العصي على التجاوز والتجاهل.
بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
24/09/2017
2364