+ A
A -
مع كل مناسبة يتجدد فيها الحديث عن المصالحة الفلسطينية تتداخل مؤشرات التفاؤل والتشاؤم وتختلط الأوراق بما يجعل المصالحة تراوح مكانها. وبما أن الانقسام الفلسطيني لا يستقيم مع استمرار تردى الأوضاع الإنسانية في القطاع، لم يعد أبناؤه يتحملون المزيد من الصبر على الوعود، ولا على تردى الأوضاع، ومن ثم يستغيثون بإنهاء الانقسام اليوم وليس غدا، باعتبار أنه بات ضرورة قصوى لإنهاء الحصار، مثلما هو ضرورة للمصالحة السياسية.
قبيل انطلاق أحدث جولات المصالحة، أطلق رجال الأعمال في غزة نداء لكل من السلطة وفتح وحماس وبقية الفصائل وصف بأنه نداء الاستغاثة الأخير قالوا فيه أنهم يرفعون الصوت عاليا ويطالبون هؤلاء جميعا لمرة واحدة وأخيرة بإنجاز المصالحة وإغلاق هذا «الملف الأسود». حيث أشاروا إلى أن استمرار الانقسام ينذر بتداعى النسيج الاجتماعى، وتوقف عجلة الحياة،ووصفوا ذلك بأنه جريمة يتحمل مسؤوليتها كل الساسة الفلسطينيين.
حتى وقت قريب كان الطرف المسؤول الأول عن الحصار الذي فرض على القطاع هو إسرائيل، وهذا أمر لا ينفيه أحد بمن فيه الإسرائيليون أنفسهم، فهم الذين فرضوه رسميا. ثم جاء وقت ساد فيه الحديث عن عودة جولات الحوار بخصوص المصالحة بوصف ذلك أنه يؤدى تلقائيا إلى دعم جهود بقية الأطراف المعنية لإنهاء الحصار. ومع فشل الجولات السابقة الواحدة تلو الأخرى تزايدت التداعيات السلبية للحصار لسبب بسيط هو أن آليات فك الحصار تركزت أساسا في يد السلطة الفلسطينية وهو ما وضح في الإجراءات التي جعلت الحياة عسيرة في القطاع.
وبعد أن تحول الوضع إلى كرة من اللهب المشتعل جاء التحرك لرفع الحصار أو تخفيفه من باب العودة إلى المصالحة. ولأن الأخيرة عسيرة، وذلك بسبب عمق الخلافات السياسية على مدى 11عاما،فإن اللجوء إليها هو بالقدر الذي تسمح به لحلحلة أزمة الحصار باعتبار أن إنهائها فورا ودون انتظار أصبح ضرورة حياة لأبناء القطاع بغض النظر عن الخلافات السياسية، وصولا إلى مصالحة حقيقية مستدامة.
حماس ارادت فتح نافذة نور لعلها تجعل السلطة تنخرط في المصالحة لكى تتسارع خطوات تخفيف الحصار أو إنهائه، وذلك عندما قالت أنها قررت إلغاء اللجنة الإدارية ولكنها اشترطت عدم المساس بجناحها العسكري (كتائب القسام)، والهدف هو أن تتولى السلطة مسؤوليتها عن رفع المعاناة القاسية التي يعيشها أبناء القطاع.
إسرائيل بدأت تتحدث بلغة مختلفة عن السابق بهدف إقناع ترامب بأنها ستساعده في تحقيق مشروع بخصوص الصفقة الكبرى، حيث بدأت تسريبات الإعلام الإسرائيلي تصب في هذا الاتجاه، أي تخفيف الحصار ورفع المعاناة الإنسانية، فهذا ما يريده ترامب لإقناع الرئيس الفلسطينى أبومازن للعودة إلى المفاوضات مع إسرائيل. القناة العبرية الثانية أذاعت خبرا قالت فيه إن إسرائيل قررت تقديم حزمة مساعدات اقتصادية للفلسطينيين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بينها مشاريع تتعلق بالبنية التحتية وقطاعي المياه والكهرباء في غزة. ومن جهةأخرى، كتب كل من الجنرال احتياط جيورا أيلاند رئيس مجلس الأمن الأسبق في صحيفة يديعوت أحرونوت، وألون شوستر رئيس المجلس الإقليمي المحيط بغزة في صحيفة هآرتس ما معناه أنه على إسرائيل أن تغير سياستها فيما يتعلق بعمليات تبادل الأسرى مع حماس أي لابد أن تمر عبر صفقة مرنة يحصل فيها كل منهما على بعض مطالبه، أي تقديم مزيد من الأسرى مقابل رفع للحصار.
من جانبه لا يمانع الرئيس عباس من عودة لحوار المصالحة ولكن بقراءته هو لما يمكن أن يتحقق بالنسبة له لعلاقاته مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة واستعادة السلطة كاملة في القطاع مستغلا في ذلك أن بيده في نهاية المطاف التحكم في مسار فك الحصار، وتلك معادلة لا ممكنة عمليا وليست في الصالح الفلسطيني مبدئيا حيث لا يعقل المقايضة بين فك الحصار وتحقيق المصالحة بل أصبح كلاهما وجهان لعملة واحدة.
بقلم : د. عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
23/09/2017
2406