+ A
A -
إنني استيقظ في الصباح فأشكر الله. ثم أمضي إلى العمل. وفي ساعة محددة من المساء اتوقف عن العمل. أشكر الله ثم أنام.. هذه كلمات أبو الوجودية الدنماركي سورين كركجارد. وهي وجودية تؤمن بحرية المخلوق ولا تنكر عظمة الخالق، وفي كتابه «المرض القاتل» يسرد سيرته الخاصة، وكيف تأثر بوالده الملحد، ثم حيرته وعذابه وإحساسه بعدم الاهمية. إن المرض القاتل هو اليأس. اليأس من كل شيء. إن سبب تعاسته كما قال هو عدم شعوره بالحاجة إلى العمل. وكسب الرزق، كان والده تاجرا غنيا. وهذه البطالة أسلمته للفراغ. والفراغ يؤدي إلى الحزن والضجر. ورافق هذا الاحساس خواء روحي. وقرر ألا يستسلم للإحباط.. فكل إنسان حسب رأيه ملزم بخلاص نفسه، وفي بحثه عن الخلاص، قرأ كثيرا.. وكتب كثيرا.. واعتزل
الناس، بمن فيهم خطيبته التي لم يحب غيرها. كان موقنا انه لن يسعدها وهو غير سعيد. واستغرقه البحث عن ذاته الضائعة في الشك، ثم العمل المتواصل في البحث والكتابة، واكتشف مبكرا دجل رجال الدين الذين يتكسبون من كلام الله وفضحهم في كتاباته، وقال إن المسرح اكثر صدقا من الكنيسة، والممثل أكثر صدقا من رجل الدين، فهو يخبرك انه ممثل أما رجل الدين فيمثل طوال الوقت وينكر أنه يمثل، وهذا ما نراه الآن ونسمعه من تكفير وتحقير وسخافات من أشخاص يفترض أنهم أكبر من التوافه والسخافات، باعوا دينهم وارواحهم وقبضوا الثمن، أو ربما ينتظرون أن يقبضوا فيما بعد.. وبعيدا عن المرتزقة من الكهنة ورجال الدين دعا كريجارد للحب في كل كتاباته، فالحب هو خلاص الروح والارواح، والحب في نظره هو أن تحب الآخر بكل نواقصه وعيوبه واخطائه، وان تراه جميلا على الرغم من كل مآخذك عليه، وضرب مثلا لاثنين من الرسامين، أحدهما كان يردد «لقد سافرت كثيراً حول العالم ورأيت كثيراً، وضاع سعيي لإيجاد وجه يستحق الرسم سدى، لم أجد وجها له جمال كامل يجعلني أتخذ قرار رسمه، في كل وجه كنت أرى عيبا، لذلك ضاع سعيي سُدى!!!»، ثم يتساءل ويدعونا للتساؤل؟ هل يبين هذا الكلام أن هذا الرسَّام كان رسَّاماً عظيماً؟! أما الثاني فكان له رأي مختلف: «لا أتظاهر بكونى رسَّاما ماهرا جداً، وأنا أيضاً لم أسافر كثيراً، ولكن في دائرة معارفي الصغيرة، لم أجد وجها قبيحا أو مليئا بالعيوب، لدرجة تجعلني غير قادر على تمييز الجوانب الجميلة فيه، واكتشاف شيء رائع في هذا الوجه، لذلك أنا سعيد بممارسة الرسم، ومع ذلك أنا لا أدَّعى أني رسام»... ألا يبين هذا الكلام أن هذا الإنسان رسَّام عظيم؟ لقد عاش هذا المفكر حياة قصيرة «اثنتين واربعين عاما» حصيلتها هذه القناعة «أن الإيمان المطلق بالله، هو الشيء الوحيد الذي يمكننا من التغلب على عدم معقولية الحياة. ويمكننا من السيطرة على القلق واليأس والوحدة في هذا العالم الغريب».
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
18/09/2017
3081