+ A
A -
الاستقلال هو الهدف النهائي لكردستان، وكان الحلم لكل حركة قومية كردية منذ تفكك الإمبراطورية العثمانية. وصار الإقليم الكردي العراقي أقرب اليوم إلى تحقيق هذا الهدف، مع توافر الأسس اللازمة لذلك مثل البيشمركة القوية والإيرادات النفطية وبعض مؤسسات الدولة. ومع اقتراب الموعد المحدّد للاستفتاء على الاستقلال في إقليم كردستان ينتاب العراقيين قلق لما سيحصل بعد 25 سبتمبر، الذي قد يدخل البلاد والمنطقة في المجهول.
اربيل عازمة على تنفيذ الاستفتاء وبغداد الذي وصفته بانه عملية انفصال عنها تبدو غير قادرة على منعه. ولغة التهديد والوعيد تتصاعد مع اقتراب موعد الاستحقاق، مع ان التهديد باستخدام القوة قد يفشل كما فشل يوم ارسل نوري المالكي عام 2012 قوات حكومية إلى حدود الاقليم.
اذا جرى الاستفتاء في موعده، من الواضح أن غالبية الأكراد العراقيين سيصوتون بـ «نعم» في 25 سبتمبر. لكن ما ليس واضحا هو ما سيجري في 26 سبتمبر. تقول حكومة كردستان انها في أعقاب التصويت بـ «نعم»، ستشرع في مفاوضات مع بغداد. بيد أنه حتى هذه خريطة الطريق لهذه المفاوضات غير واضحة. هل سيتفاوضون على الانفصال عن بغداد؟ ام سيتفاوضون على اتفاق كونفيدرالي مع الحكومة العراقية؟ أم أنهم سيتفاوضون على القضايا العالقة التي منعت حتى اليوم من أن تكون العراق الدولة الاتحادية التي تطلّع إليها الأكراد على مدى سنوات؟ وعندما يسأل المسؤولون الأكراد العراقيين حول هذه النقاط، غالباً ما يجيبون بالقول إن الأساس المنطقي الرئيسي للاستفتاء هو إرغام حكام بغداد على احترام أجزاء الدستور العراقي التي تحدد الحكم الذاتي الكردي.
وفي النهاية، يُعدّ التفاوض عبر بغداد السبيل الوحيد لكي تحقق أربيل هدفها المتمثل بالاستقلال من دون إثارة غضب دول الجيران في المنطقة مثل إيران أو تركيا، فضلاً عن الجهات الدولية الفاعلة لاسيما الولايات المتحدة. وهكذا فإن التفاوض مع بغداد، يعني أن الاستقلال الكردي سيصبح قضية داخلية عراقية. وكلما قوبلت اربيل برد فعل عنيف من بغداد كلما التف الاكراد حول الاستقلال.
هناك مؤشرات مبكرة بأن العبادي مستعد للتفاوض بشكل بنّاء مع نظرائه في أربيل. فقد كان متعاطفاً في البداية على نحو مفاجئ مع التطلعات الكردية، إلا أن خطابه صار أكثر عدائيةً مع تزايد الضغوط السياسية المحلية التي تدفعه إلى تبني موقف أكثر تشدداً ضد الأكراد. وقد يسعى العبادي إلى اتخاذ خطوات تصالحية تجاه الأكراد لأنه يحتاجهم لمحاربة تنظيم «داعش» والتعاون معهم في كركوك والموصل في جهود إعادة الإعمار. لكن، لا يمكن للعبادي من الناحية السياسية أن يكون رئيس الوزراء الذي في عهده انقسم العراق خلال فترة إعادة انتخاب.
وثمة عامل آخر ومهم وراء عملية صنع القرار في بغداد هو الرأي الإيراني بشأن الاستقلال الكردي. لذا من المهم رصد مدى استجابة العبادي لأي ضغط إيراني خلال عملية التفاوض.
الاقليم ذاهب إلى الاستفتاء، لكن قرار منعه وتعطيله دستوريا وسياسيا وقانونيا هو بيد بغداد فهل ستفرّط بهذه الفرصة؟ تردد الحكومة العراقية يعني انها وبتجاهل خطوة من هذا النوع تعرض ليس فقط أمن العراق ووحدته للخطر بل امن دول الجوار العراقي للتهديد وتحديدا تركيا وإيران وتطلق يدهما للتدخل المباشر باتجاه منع مشروع بناء كيانات عرقية تقسيمية تهدد امنهما القومي ومصالحهما الاقليمية. وعدم قيام انقرة وطهران المعترضتين على الاستفتاء بتحرك سياسي وديبلوماسي عاجل يحملهما المسؤولية المباشرة عما سيناقش داخل اراضيهما خلال القادم من الايام من حالات ونماذج مشابهة لا يمكن تجاهلها بعد الآن. اما في واشنطن، المفتاح الدولي للاستفتاء والاستقلال، فالغموض لايزال سيد الموقف.
العراق في 26 سبتمبر ليس هو نفسه العراق ما قبل هذا التاريخ، كذلك الجوار برمته.
بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
15/09/2017
2713