+ A
A -
«الدمعة الخرساء» عنوان قصيدة لإيليا أبو ماضي. حوارية مدهشة بينه وبين فتاة أرهقها إدراك فلسفة الحياة والموت. كيف يمكن للموت أن يُنهي اضطرام الحياة في الوجود الحي؟ كيف للقلب الذي ماج فيه الحب والمنى أن يصبح غذاء للديدان؟ ثم تغازل العدم، تشعر أن الجلامد والصخور والقصب أكثر حظا من الأحياء. الأحياء الذين ينتهون للفناء والقبور والصمت الأبدي! حين قالت بمرارة كبيرة:

أَكَذا نَموت وَتَنقَضي أَحلامُنا ** في لَحظَة وَإِلى التُرابِ نَصيرُ.

وَتَموجُ ديدانُ الثَرى في أَكبُدٍ ** كانَت تَموجُ بِها المُنى وَتَمورُ.

في محاولة رحيمة حاول أن يبثها القليل من الطمأنينة، أن يدعك بــُقع اليأس من روحها. أن يجعلها ترى الجانب الجميل في الحياة. راح يحكي لها عن جمال الوجود، عن دهشة أن تكون كائنًا حيًا، وأننا أحلامنا ورؤانا وأفكارنا، ولسنا أجسادنا وشفاهنا ونحورنا، حكى عن الضفة الأخرى التي نصير إليها بعد الموت.. وما أروعه حين قال:

لا تَجزَعي فَالمَوتُ لَيسَ يَضيرُنا

فَلَنا إِيابٌ بَعدَه وَنُشورُ

إِنّا سَنَبقى بَعدَ أَن يَمضي الوَرى

وَيَزولُ هَذا العالَمُ المَنظورُ

فَالحُبُّ نورٌ خالِدٌ مُتَجَدِّدٌ

لا يَنطَوي إِلّا لِيَسطَعُ نورُ

وَبَنو الهَوى أَحلامُهُم وَرُؤاهُمُ

لا أَعيُن وَمَراشِف وَنُحورُ.

قال لها كل ذاك. وحين مضت لشأنها، حين عاد لبيته وحلّ الظلام، وهنا تكمن الصدمة، وجد نفسه تغوص في أسئلة الفناء ذاتها، والمصير المؤلم ذاته، وعبثية أن نحب ونعمل ونتجمل لنموت!.. عاد لفراشه ليجد نفسه مملوءة بما حاول أن يفرغ صدر الفتاة منه:

وَإِذا سِراجي قَد وَهَت وَتَلَجلَجَت ** أَنفاسُهُ فَكَأَنَّهُ المَصدورُ

وَأَجَلتُ طَرفي في الكِتابِ فَلاحَ لي** كَالرَسمِ مَطموسا وَفيهِ سُطورُ

حامَت عَلى روحي الشُكوكُ كَأَنَّها** كَأَنَّهُنَّ فَريسَة وَصُقورُ

أكَذا نَموت وَتَنقَضي أَحلامُنا** في لَحظَة وَإِلى التُرابِ نَصيرُ؟.

ألم يحدث مرة أنك حاولت إقناع أحدهم بفكرة أنت نفسك لستَ مؤمنا بها؟ هل يمكننا جعل الآخرين يصدقون ما نقوله، وفي ذات الوقت نحن لا نصدق أنفسنا. هل هي خديعة للآخر أم للذات؟

أترك لكم التفكير.. حتى التتمة في المقال القادم.

بقلم : كوثر الأربش

copy short url   نسخ
13/05/2016
2713