+ A
A -
تسود الأزمة السورية حال من البلبلة والضياع، يرافقها شيء من الإحباط نتيجة للانتصارات التي يروج لها النظام السوري وبعض وأسياده في محور «الممانعة»، والتي تدفعهم إلى القول إن بشار الأسد تجاوز مرحلة الخطر وهو بالتالي باق في السلطة.. طبعاً، سيعتبر الأمر «إنجازاً عظيماً» للشعب السوري الذي انتفض ضد نظام الاستبداد والقمع والقهر الأيديولوجي وكم الأفواه والتعذيب والموت في السجون والاختفاء و... و... الجاثم على صدور السوريين والعرب منذ أكثر من أربعين سنة.
ويستشهد هؤلاء بالمعارك البطولية والتقدم الذي تحرزه قوات الأسد، أي عملياً سلاح الجو الروسي والميليشيات ذات الولاء الإيراني المتنوعة والمتعددة، بدءاً بـ«حزب الله» اللبناني، والعراقية «أبو الفضل العباس» و«عصائب أهل الحق» و«سرايا طليعة الخراساني» و«فيلق ولي الأمر»، والمختلطة الباكستانية- الأفغانية «لواء فاطميون» و«لواء زينبيون» وغيرها.. وكل هذه الجحافل التي تتجاوز الاثنى عشرة تعمل تحت إشراف «الحرس الثوري» الإيراني بقيادة الأميرال قاسم سليماني! كلها ميليشيات متحالفة ومتآلفة ومتآزرة لنصرة نظام براميل القتل ولاستباحة الأرض والشعب السوريين باسم محاربة الإرهاب «الداعشي» الذي لم يجدوا حرجا في التعبير عن تعاطفهم معه!
فها هي قوات الأسد بحسب «الإعلام الحربي» تتقدم نحو دير الزور إيذاناً بمعركة التحرير الكبرى، ثم يأتي بعدها دور محافظة إدلب.. وكانت قد حققت نصراً مهماً في معركة تنظيف القلمون (المذهبي) ضمن الشريط الساحلي على الحدود اللبنانية السورية، التي خاضها عنها ولها «حزب الله» قبل نحو شهر ضد «جبهة النصرة» في جرود عرسال. وحاول حسن نصرالله اختطاف النصر من أيدي الجيش اللبناني الذي حرر قبل أسبوع جرود السلسلة الغربية في رأس بعلبك عبر فتح قناة التفاوض مع «داعش» لكي يؤمن لمقاتلي التنظيم بالاتفاق مع النظام السوري الانسحاب الآمن إلى دير الزور التي يستعد لمقاتلتهم فيها؟!
والأطرف من ذلك في هذه اللعبة أن قوات الأسد تحمل معها قوارب وجسور مائية استعداداً لاحتمال العبور إلى الضفة الأخرى من نهر الفرات.. إلا أن مسؤولاً أميركياً رفيعاً قال إنه لن يسمح لها بالتقدم أكثر من شمال دير الزور.. ما يجري على هذه الجبهة هو عبارة عن تفاهم أميركي- روسي حول دفع «قوات سوريا الديمقراطية» (بجناحها الكردي الوازن) إلى خوض معركة الجزيرة لطرد «داعش» من شرقي نهر الفرات بالتزامن مع تقدم القوات الأسدية بدعم من موسكو لتحرير دير الزور من «داعش» في غرب الفرات. وهذا التفاهم هو جزء من سيناريو استطاع سيدا اللعبة، فلاديمير بوتين في المقدمة ودونالد ترامب من ورائه، التوصل من خلاله إلى تسويات عبر قناة الأردن لتحاشي حصول أي احتكاك، ولتحديد مناطق النفوذ مثلما سبق واتفقا انطلاقاً من «منطقة خفض التوتر» في جنوب غرب سوريا على ترسيم معسكر التنف على الحدود السورية العراقية، وفرض نوع من هدنة على الحدود مع إسرائيل.. وكذلك بين منبج والباب قرب تركيا.. وهكذا ستكون عليه الأمور في دير الزور والجزيرة.. ناهيك عن اتفاق إيران وتركيا وروسيا على تحقيق «منطقة خفض التوتر» في إدلب رغم أن ما يجمعهم ليس أكثر من مرحلي يفرضه الميدان.
كما أن هناك لاعباً آخر هو إسرائيل التي فرضت نفسها كشريك عسكري، وربما أكثر، بعد الغارة الأخيرة قرب بلدة مصياف في ريف حماة، والتي استهدفت على ما يبدو لأول مرة منذ 2007 منشأة لإنتاج الأسلحة الكيميائية.. رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق عاموس يدلين وصف الغارة بأنها «بيان إسرائيلي أخلاقي حول المجزرة القائمة في سوريا»!
إن من يقود معركة دير الزور إذا هو روسيا، التي تريد أن تعقد «استانة- 6» خلال هذا الأسبوع، وتريده أن يكون الأخير قبل العودة مجدداً إلى جنيف..
فكيف يمكن لحاكم يتم استعماله وتقاذفه من قبل جيوش خمس دول وعشرات الميليشيات الجاثمة على أرضه أن يتباهى أنه باق في السلطة؟! وهل نسي حماته أن التقرير الأخير للأمم المتحدة يتهمه باستعمال السلاح الكيماوي سبعة وعشرين مرة ضد شعبه؟
بقلم: سعد كيوان
copy short url   نسخ
12/09/2017
2493