+ A
A -
بعد حوالي عامين من قرار الرياض بقطع علاقاتها الدبلوماسية للمرة الثانية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبعد حرب كلامية بدأت بمشاركة مدير الاستخبارات السعودي والسفير السعودي السابق في كل من لندن وواشنطن الأمير تركي الفيصل، واستمرت عبر تصريحات متكررة عبر وزير الخارجية السعودي عادي الجبير الذي اتهمت إيران باغتياله في العام 2011، وانتهاء بتصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بنقل المعركة مع إيران إلى الداخل الإيراني، بعد كل ذلك سمحت الرياض لثمانين الفاً من الحجيج الإيراني أن يشارك في موسم الحج للعام 2017، ثم تحدث وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي عن طلب سعودي سرعان ما نفته الرياض للوساطة العرقية بين الرياض وطهران وأنتهت بوصف أمير مكة الأمير خالد الفيصل للإيرانيين «بانهم إخواننا في الإسلام...»..
الرد الإيراني على لسان رئيس الجمهورية حسن روحاني أو وزير خارجيته جواد ظريف على كل تلك التطورات تراوح بين الترحيب في العودة للعلاقات والانتقاد للسياسة الخارجية السعودية لكن بلحن أقل عدائية، اذ جاء مرافقاً بانتقاد لسياسة السعودية في اليمن، وأن تحسن العلاقات مع طهران يتطلب تغييراً في السياسة السعودية.
تلك كانت التطورات المتسارعة في مسار علاقات بلدين متنافسين بارزين في الساحة السياسية للشرق الاوسط، لكن السؤال المهم هو: لماذا هذا الغزل بين الطرفين في هذا الوقت تحديداً؟ ثمة جملة من العوامل تساعد في فهم الغزل الإيراني السعودي وهي:
أولاً: التغيير في المشهد السياسي الداخلي في كلا البلدين، فالرياض متجهة إلى تغييرات جوهرية في مؤسسة الحكم منذ رحيل الملك عبدالله، ويبدو أنه بسبب تلك التغييرات كانت عاصفة الحزم علي اليمن كجزء من نقل اهتمام الرأي العام عن الترتيبات الجارية داخلياً، وبسبب تلك التغيرات اشتدت الحرب الكلامية على إيران كجزء من محاولة كسب الرأي العام الداخلي والعربي والإسلامي الغاضب على إيران مرحلياً بسبب سياساتها في المنطقة.
بالطبع هذا الموقف لم يكن يستطيع تجاهل حقيقة التنافس الشديد بين البلدين والمتأثر بعوامل اقتصادية وأخرى دولية. يقابل ذلك التغيير بدء الرئيس حسن روحاني فترته الأولى ومراهنته على الاتفاق النووي في تحقيق خطوات اصلاح اقتصادي مهمة، لكن ذلك لم يحدث بسبب إدارة دونالد ترامب. ومع إعادة انتخابه رئيساً يجد حسن روحاني أن محاولة ترميم العلاقة مع الرياض قد تشكل بارقة لبعض التغيير في الوضع الاقتصادي وهو ما تشاركه به السعودية.
ثانياً: كما هو معروف فالسعودية وإيران منتجان مهمان للنفط ومتأثران من انخفاض أسعاره التي أضرت باقتصاد البلدين، من هنا ينظر البلدان إلى أن أي تحسن قد يدفع إلى تغيير ولو مرحلي في أسعار النفط أو الدفع باتجاه تغييرات تعين البلدين في ترميم الوضع الاقتصادي لديهما والذي أصبح مصدرا لانتقاد الرأي العام الداخلي للبلدين.
ثالثاً: يبدو البلدان غاضبن من إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب، فطهران لم تحصل على المكاسب المتوقعة من الاتفاق النووي بسبب إدارة ترامب غير المعجبة بالاتفاق النووي وتود تمزيقه لو استطاعت، في المقابل لا تبدو الرياض مرتاحة لموقف واشنطن من الأزمة الخليجية والحصار الذي تفرضه الرياض وابوظبي والبحرين على دولة قطر، ويبدو أنها بالنظر إلى قمة الرياض التي حضرها ترامب كانت تتوقع موقفاً أكثر تأييداً لها وهو ما لم يحصل. من هنا يرسل البلدان رغم التناقضات بينهما رسالة إلى واشنطن إلى أن التقارب بينهما ممكن التحقق وسريعاً. لقد أثبتت العقود الماضية من عمر الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنها تلتفت لدول الاقليم حينما تتعقد علاقاتها مع القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، ولا تبدو الرياض بعيدة عن تلك الفرضية، وكل ما جرى ويجري من تصريحات إنما يهدف لقياس ردود الفعل سواء الداخلية أو الدولية والحصول على بعض المكاسب حتى وإن كانت مرحلية من قبل البلدين.
بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
07/09/2017
2530