+ A
A -
في عام 1903 أصبحت مدام كوري أشهر امرأة في العالم عندما فازت بجائزة نوبل. وبعد واحد وثلاثين عاما دفعت ثمن اكتشافها غاليا، إذ أصيبت بالتسمم الإشعاعي من جراء تعرضها للإشعاع المميت «الراديوم» وقبل شهادة الميلاد وشهادة الوفاة هناك قصة كفاح وعناء وتصميم بدأت بعد وفاة والدتها وتسريح والدها من العمل ولم يكن يتجاوز عمرها آنذاك العاشرة. وعندما أنهت المرحلة الثانوية عقدت رهانا مع أختها الكبرى «بورنيا» التي كانت متفوقة مثلها.. ويقضي الرهان ان تعمل «ماري» في وطنها بولندا على ان ترسل مصاريف الدراسة والمعيشة لأختها في باريس.
لمدة سنوات ظلت تعمل كمربية وخادمة تتحمل الإهانات والتعب من أجل حفنة قليلة من النقود. وحين أنهت برونيا دراستها وحصلت على شهادة في الطب وزوج تعرفت عليه أثناء الدراسة أرسلت تستدعي أختها من وارسو. ورفضت مانيا أو ماري التي عرفت بمدام كوري ان تثقل على أختها فاستأجرت غرفة باردة وعارية من الأثاث وانضمت إلى جامعة السوربون وهي في الثالثة والعشرين.
لم يمنعها الجوع الذي كان يفقدها الوعي في المحاضرات من نيل شهادتين في نفس الوقت الرياضيات والعلوم الطبيعية. وفي منزل أحد مواطنيها التقت بالرجل الذي قاسمها الحياة وحب العلم والجائزة فيما بعد «بيير كوري» وقضيا معا أربع سنوات قبل ان يعلنا عن اكتشافهما الذي هز العالم وساعد على مكافحة مرض السرطان. أربع سنوات قضياها في سقيفة متداعية لا تحمي من برد ولا مطر. في مواجهة أفران ينبعث منها دخان القطران المغلي والمواد الكيميائية التي تجعل العين تدمع بلا توقف والحلق جافا والتنفس صعبا. وكان ممكنا ان يصبحا من اثري الأثرياء لو احتفظا بسر الاكتشاف. لكن الاثنين رفضا ان ينالا درهما واحدا. وقالت مدام كوري عبارتها الخالدة: - «لو تقاضيت عن اكتشافي مالا لكان في ذلك مجافاة لروح البحث العلمي. فضلا عن أن الراديوم سوف يستخدم في مكافحة المرض. فهو أداة من أدوات الرحمة. ملك لكل سكان العالم ومحال ان أتقاضى عن ذلك أجرا».
مدام كوري هي المرأة الوحيدة التي نالت نوبل مرتين كما حصلت عليها إحدى ابنتيها فيما بعد.
وهبت قلبها للعلم وللزوج. وحين توفي شريك حياتها أثر حادث في الطريق ظلت تكتب له الرسائل وتخاطبه كما لو كان ما يزال على قيد الحياة، ففي إحدى رسائلها التي وجدت بعد رحيلها كتبت تقول:- عزيزي بيير لقد عرضوا علي ان أخلفك في مقعدك في الجامعة، فقبلت. ولست أدري اذا كنت مصيبة أم مخطئة؟...حبيبي بيير إنني أفكر فيك بلا انقطاع. ورأسي يحترق وأكاد أفقد عقلي. لا أستطيع ان أفهم أو أصدق أنني سأعيش منذ الآن بدونك.... وفي رسالة أخرى كتبت تقول: صغيري بيير إن الأشجار بدأت تزدهر والورود تتفتح. وقد كنت تحب ذلك. ما عدت أحب الشمس أو الأزهار، بل ان مرآهما يجعلني أتألم، وقد صرت أحس بقسط اكبر من الراحة في الأيام المكفهرة.. كيوم موتك. وإذا كنت لم أكره الأجواء الصافية بعد فلأن أطفالي في احتياج لي... ومن أجل أطفالها والإنسانية واصلت العمل حتى النهاية.
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
06/09/2017
2647