+ A
A -
لم ينج الداعية المصري المعروف عمرو خالد، إثر التسجيل المصور الذي بثه على صفحته على موقع فيسبوك من مكة المكرمة أثناء موسم الحج من الانتقاد اللاذع من كثير من العرب، حيث ظهر الداعية المصري في الشريط المصور وهو يدعو إلى الله تعالى أن يبارك لمن يضع له إعجاباً (لايك) على صفحته، ولمن يتابعون صفحته بشكل مستمر، وبطريقة كوميدية سمجة وبالغة الاستفزاز.
ليس فقط بسبب كمية الكذب الواضحة على وجهه وفي صوته، بل بسبب استخدامه مناسبة روحية عامة مثل الحج، للدعاية لنفسه، ولاستعادة مجد قد بدأ يزول ويختفي، وأيضاً بسبب استخدامه طريقة مواربة في التعامل مع الذات الإلهية، فهو يدعو الله تعالى أن يبارك مريديه فقط، أما باقي المسلمين، ممن هم ليسوا مريديه، فهم لا يستحقون المباركة والرحمة، وكأنه بذلك يريد أن يحتكر المباركة الإلهية بفئة محددة وقليلة، وكأن الدعوات لله تعالى تمر عبره فقط، فإن كان ثمة إساءة للذات الإلهية فيجب أن تكون موجهة له تحديداً، في اختزاله في شريطه المصور لرحمة الله تعالى ونسبها لمريديه فقط دوناً عن سائر المسلمين! ولكن! بالعودة إلى تاريخ الداعية المصري، الذي اشتهر كثيراً في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، نجد كيف استقبلته محطات التلفزة والفضائيات والصحف العربية الرسمية ليقول ما يشاء، وتم غض النظر عن حركة أتباعه في كل البلاد العربية.
في الوقت الذي كان يتم التضييق فيه على باقي الحركات الإسلامية والأحزاب اليسارية والليبرالية المعارضة للأنظمة، استطاع عمرو خالد، بدفع ودعم من المنظومات الاستبدادية الحاكمة، تغيير صورة الطبقة الوسطى العربية، التي يفترض أنها الرافعة الأساسية لأي حركة تغيير يمكنها أن تحدث في مجتمعاتنا، بحيث تحولت هذه الطبقة إلى مجموعات مشغولة بما يجب أن ترتديه المرأة، وكيف تدرأ فتنتها عن الرجل.
وكأن المرأة العربية لا هم لها سوى إثارة الرجل، وكأن الرجل لا عمل له سوى درء الفتنة عنه! هكذا انشغلت هذه الطبقة عن مشاكل مجتمعاتها السياسية والاقتصادية، وانشغلت بالهم الاجتماعي الشرعي حصراً، آخذة العلاقة مع الدين ومع الله تعالى إلى مساحة الشكلانية والتقليد الاجتماعي بعيداً عن جوهرها الأصلي، وهي العلاقة الروحية بين الفرد وخالقه، والتي تمنعه من ارتكاب المعاصي.
هذا بدوره أوصل الطبقة الوسطى إلى حالة من الفصام الجمعي والشخصي ما أن بدأت الثورات العربية في بداية 2011، إذ وجدت نفسها فجأة بمواجهة كل ما انشغلت عنه ولا بد من تغييره، في الوقت الذي كان فيه عمرو وخالد وأشباهه يعلنون وقوفهم علناً وصراحةً مع الأنظمة ضد شعوبها، دون أن يلقوا بالاً إلى عدد الضحايا وإلى العنف غير المسبوق الذي استخدمته هذه الأنظمة لقمع شعوبها.
بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
05/09/2017
2687