+ A
A -
من ذكرياتي القديمة – وأظن هذا ما زال سائداً– أننا كنا إذا خرجنا في تشييع ميت إلى مثواه الأخير، ترى الوجوه مكفهرة تغطيها من الحزن سحابة، لعل بعضهم كان يتصنع هذا، وكثيراً ما تسمع مع تنهيدة «هيييه.. ما دام إلا وجهه الكريم.. دنيا فانية.. ماذا يأخذ الإنسان معه إلى الآخرة»
لكنهم ما أن يعودوا إلى بيوتهم وأعمالهم حتى يتصارعوا على هذه الدنيا الفانية. إنها رهبة الموت التي جعلتهم يتذكرون أن الآخرة خير وأبقى.
وليس هذا غريباً ولا جديداً، فقد مرّأبو بكر الصديق رضي الـلـه عنه بحنظلة الأسدي وهو أحد كتاب الوحي فوجده يبكي فقال: «ما يبكيك يا حنظلة؟» قال: «يا أبا بكر، نافق حنظلة» فقال الصدّيق: «وما ذاك؟» قال: «إذا كنّا عند رسول الـلـه صلى الـلـه عليه وسلم، وقرأ علينا القرآن، وحدثنا عن الجنة والنار وذكّرنا، كنا كأنا نرى الآخرة رأي عين، ثم إذا رجعنا عافسنا الأولاد والنساء والزوجات فنسينا كثيراً» فقال الصديق «وإنّي لأجد ذلك» فذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلمّا أخبراه قال (لو بقيتم على ما تكونون عليه عندي، لصافحتكم الملائكة في الطرقات وفي فرشكم وعند أهليكم، ولكن ساعة وساعة).
وها هو عيد الأضحى المبارك قد مرّ وانتهت أيامه، أعاده الـلـه على الجميع بالصحة والسعادة والخير واليمن والبركة، وهنيئاً لمن قام بواجبه ولبى نداء ربه، وحج بيت الـلـه الحرام، وقد يزيد ويذهب للسلام على رسول الـلـه صلى الـلـه عليه وسلم، نرجو الـلـه أن يتقبل صالح الأعمال. عيّد الجميع، أدوا صلاة العيد فاجتمعوا، وتبادلوا التهاني، حاول كل واحد أن يدخل البهجة على نفوس أهله وأولاده، تذكر الناس أشياء ربما كانوا قد نسوها، وصلوا الأرحام، وزاروا الأقارب، وجددوا الصداقات القديمة، وصفت القلوب في هذه المناسبة الرائعة، وحاول بعضهم ممن أفاء الـلـه تعالى عليه من رزقه أن تعم فرحة العيد الجميع، فواسى فقيراً، وساعد مسكيناً، ولذة العطاء أعظم من لذة الأخذ، وماذا بعد؟
هنأت صديقاً بالعيد وقلت: هذا موسم فرح، فقال: من أين يأتي الفرح؟ ألا ترى ما نحن فيه؟ قلت: أرى، فهل نقنط من رحمة الـلـه؟ نوسع على أنفسنا وأطفالنا، وننظر في عيونهم البريئة فنجد الفرح، نجدد العلاقات التي وهنت، وندعو الـلـه أن يفرج الكربة، ولكن علينا أن نرسخ ما فعلناه في العيد، ونجعله عادة. وصلنا الأرحام، وجددنا الصداقات، فهل نقطع الأرحام ونغفل عن العلاقات الاجتماعية بانتهاء موسم العيد؟ يجب أن نحاول أن يكون العيد بمعانيه السامية حاضراً أبداً في حياتنا.

بقلم : نزار عابدين
copy short url   نسخ
04/09/2017
2047