+ A
A -
سواء استقر الأمر على أن الخلاف القطري –السعودي- البحريني- الاماراتي في طريقه إلى الزوال. أو أنه لايزال عصيا، وفي أثناء ما ينبري الاعلاميون والصحفيون والمغردون في تويتر والفيس بوك في سرد أسباب زواله أو استحكامه، لم يقدم لنا أحد حتى الآن أسبابا مقنعة لتكرار واستمرار الخلافات الخلجية والعربية البينية عموما، فهي ما أن تنتهي حتى تعود. لم يدر ببال أحد ربما، عندما تحين مشكلة ما معاصرة فردية كانت أم جماعية، نهرع إلى التاريخ، ونضرب أمثلة من الماضي وشخوصه، ونرفع من سقف التوقعات لإيجاد الحلول التي نعيشها اليوم وكأن التاريخ توقف عند لحظة من الماضي لم يغادرها بعد.
نذكر مثلا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعمل كذا وكذا في مثل هذه الحالة، أو أن ابابكر رضي الله عنه تصرف بهذه الطريقة في مثل هذا الموقف، هذه الحلول الثقافوية «المجتزة من الثقافة» لاتمثل حلولا معاصرة شافية لسبب بسيط هو أن عمر أو أبا بكر لن يعودا، وأن الوقت قد تغير، هي حلول آنية تشبع النهم الثقافي وتريح الضمير لبعض الوقت لكنها لا تقدم آلية حقيقية فاعلة في مشاكل اليوم، بالضبط هكذا تعاملنا مع الخلاف الخليجي– الخليجي القائم اليوم والخلافات المماثلة السابقه، الجميع يتكلم عن شعب واحد وعادات وتقاليد مشتركة ودين واحد وقبلة واحدة وعوائل بينها صلة وأواصر قربى، كل هذا ثقافة وعندما يصبح التلويح بها في إنهاء الخلاف تصبح حلا ثقافويا، يأخذ بالثقافة المثلى لأزمة قائمة حاليا تختلف فيها نسبية الظروف وتقاطع المصالح وتبدل العصر وتغير الأحوال، كما نستخدم حلولا من العصر الأول المثالي للإسلام وشخوصه لايجاد حلول لمشاكل المسلم اليوم الذي يهيم بين تكنولوجيا متطورة يستخدمها واسواق كبرى تسطو على ما تبقى من رزق في جيبه ومدن عظمى يكاد ازدحامها يجثم على صدره.
المشكلة الخليجية انتهت ثقافيا، لكنها لم تنته عمليا، وستعاود الظهور بشكل أو بآخر. لأن حلها ليس ثقافويا، ولكن عمليا براغماتيا. يمكن للحل الثقافوي أن يردم الفجوة مؤقتا لكنه لا يستطيع أن يحلها إلا اذا تحول إلى معاصرة، وعندئذ يصبح حلا واقعيا يتعامل مع الظروف الماثلة أمامه ويحدد اشكاليتها بصورة أدق،،
اللقاءت والسلامات والتصافح وحب الخشوم والعزائم كلها من أبجديات الحل الثقافوي ردمت لنا فجوات لكنها لم تعبد الطريق بعد للانتقال إلى الحل العملي.
لابد من استشعار كلمة الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم «أنتم أدرى بشؤون دنياكم»، الدراية بشؤون دنيانا اليوم تتطلب مشاركة شعبية وإيمانا حقيقيا بالإنسان وبالمواطنة. وغيرها من أساسيات قيام الدول اليوم، لا نضع حلولا ثقافية جاهزة، ولكن نصنع ثقافة الحل. الحل الثقافي الجاهز يفترض وجود سلطة سابقة عليه أو أعلى منه، بينما ثقافة الحل تفترض أن السلطة جزء من الحل وتقع داخل متغيراته.
اللجوء للحل الثقافوي إفلاس دنيوي ومثالية يكاد لا يحتملها العصر، تعجب عندما يقول أحد منهم مثلا، عن أسباب انتهاء الأزمة مثلا «ذلك أمرٌ طبيعي حيث اننا شعب واحد عاداتنا وتقاليدنا وطبائعنا واحدة»، هذا التبرير الثقافوي الذي لايرى الفواصل ولا التفاصيل. وآخر يقول لو أن هذا الزعيم أو ذاك كان حيا لما حصل الخلاف أصلا، حلولا ثقافوية لشعوب مأزومه، تعمق من أزمتها وتدفع بها إلى السرمدية.
بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
29/08/2017
2685