+ A
A -
أدى إجراء الانتخابات البلدية في مرحلتها الأولى في العاصمة بيروت، ومحافظة البقاع والنتائج التي أسفرت عنها إلى إحداث ما يشبه الزلزال في الحياة السياسية اللبنانية، لما عكسته من دلالات مهمة على الصعد كافة، أن كان لناحية التحول في الرأي العام، أو لناحية الحقائق السياسية بإيجاد ضغط كبير يفرض إجراء الانتخابات النيابية، أو لناحية الانعكاسات على موضوع الإنماء والخدمات.
ومن تابع مجريات الانتخابات البلدية، وما أسفرت عنه، وردود الفعل السياسية والشعبية قبل وبعد إعلان النتائج يستطيع أن يخلص إلى نتائج وحقائق عديدة، سوف تتحكم بمسار الحياة السياسية من الآن وصاعدا، وسيكون لها تأثيرها الأكيد على الانتخابات النيابية المقبلة.
أولاً: على صعيد النتائج:
لقد أسفرت الانتخابات البلدية عن العديد من النتائج المهمة لنواحي عديدة أبرزها:
1 ـ إن تحالف أحزاب أساسية في السلطة في لائحة توافقية في بيروت لم يؤدِ إلى رفع نسبة المشاركة في العاصمة لأكثر من عشرين بالمائة على الرغم من أن هذه الأحزاب بذلت جهوداً كبيرة في هذا السياق، وقد فسر البعض عدم الاستجابة الشعبية للمشاركة في العاصمة بنسبة توازي النسبة التي تحققت في البقاع بثلاثة أمور:
الأمر الأول: حالة اليأس والإحباط لدى أبناء العاصمة من إمكانية التغيير ولهذا فضلوا التعبير عن موقفهم الرافض لسياسات أحزاب السلطة، التي تسببت بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية، وفضائح الفساد، بهذه الطريقة السلبية بالامتناع عن المشاركة.
الأمر الثاني: ضعف الإنفاق المالي في الحملة الانتخابية حيث لم تشهد الانتخابات كسابقاتها دوراً كبيراً للمال في شراء الأصوات أو تأمين النقل للناخبين والحملات الدعائية.
ثانياً: على صعيد الحقائق:
لقد أكدت هذه النتيجة للانتخابات العديد من الحقائق أهمها:
الحقيقة الأولى: إن فوز لائحة أحزاب السلطة لم يكن فوزاً بمعناه الفعلي بقدر ما أنه شكل في مضمونه خسارة مدوية، فهي لم تحصل على تأييد شعبي يمنحها الشرعية الفعلية، ولهذا شكلت هذه النتيجة صدمة كبيرة لأحزاب السلطة.
الحقيقة الثانية: إن امتناع 80 بالمائة من الناخبين عن المشاركة ومن المقترعين لـ «بيروت مدينتي» و«موطنون» ومواطنات، شكلت الوجه الأخر للاعتراض الشعبي الواسع على سياسات أحزاب السلطة التي لم تفشل فقط في تحقيق التنمية وحل المشكلات الخدماتية الأساسية في العاصمة، إن كان لناحية تأمين التيار الكهربائي 24 على 24 على غرار مدينتي زحلة وجبيل، أو حل مشكلة زحمة السير وتأمين مواقف للسيارات، بل أنها سقطت سقوطاً مدوياً، في عجزها أيضاً عن حل مشكلة النفايات التي تكدست في شوارع العاصمة لفترات طويلة على الرغم من امتلاك المجلس البلدي للمدينة موازنة تبلغ مليار دولار هي الأكبر بين موازنات المدن اللبنانية، الأمر الذي أثار نقمة الناس ضد الطبقة السياسية، خصوصاً مع إماطة اللثام مؤخراً عن فضائح فساد بالجملة.
الحقيقة الثالثة:إن أحزاب السلطة خرجت من انتخابات العاصمة مأزومة ومصابة بجروح عديدة، وهو ما عبرت عنه تصريحات النائب سعد الحريري، والعماد ميشال عون، بعد إعلان النتائج.
الحقيقة الرابعة: لقد وجه الشارع البيروتي رسالة قوية برفضه التحالف غير المبدئي بين الأحزاب وانه لا يعبر عن قناعات الناس خصوصاً وانه يقوم على المحاصصة، وليس على أساس برامج سياسية وتنموية، وهذا الأمر هو ما حذر منه نائب رئيس التيار الوطني الحر نقولا صحناوي وحاول إقناع قيادته دون جدوى، بعدم المشاركة في لائحة التوافق لأنها غير مبررة وغير مقنعة لا سياسيا ولا بلدياً، وإذا حصل كان يجب أن يتم على أساس برنامج انتخابي مبني على أساس جردة نقدية مشتركة مع تيار المستقبل للخروج بخلاصات تقنع الجمهور بهذا الخيار.
ولهذا فقد جاءت النتائج لتعبر عن رفض قوي لهذا التوافق القائم على المحاصصة ويتعارض مع طموحات الناس بالتغيير.
الحقيقية الخامسة: أسقطت الانتخابات البلدية ذريعة الظروف الاستثنائية التي جرى على أساسها التمديد لمجلس النواب مرتين، وأظهرت أن التمديد لم يكن مبرراً اطلاقاً وأنه تمديد سياسي، وأن الحديث عن الظروف الاستثنائية لتبرير التمديد لم يكن إلاّ ذراً للرماد في العيون، للحيلولة دون إجراء الانتخابات بموعدها لأن هناك خوف لدى أحزاب أساسية في السلطة من أن تؤدي إلى تراجع نفوذها وفقدانها الغالبية النيابية التي تمكنها من إعادة تشكيل مؤسسات السلطة.
وعليه لم يعد من السهل الاستمرار بالتمديد، فكيف تكون الظروف ملائمة لإجراء انتخابات البلدية، وغير ملائمة لإجراء انتخابات نيابية.

بقلم : حسين عطوي
copy short url   نسخ
14/05/2016
1032