+ A
A -
القفز إلى الأمام.. تلك وصفة يعتبرونها سحرية، للهروب من الأزمات، وليس ثمة أسهل على المأزومين في مجتمعاتنا، لتحقيق تلك القفزة المشتهاة، إلا التعدي على ثوابت الدين– نعم لديننا الحنيف ثوابت- ليس للأمر علاقة بالفقه والمنتج البشري لفهم قواعد الشرع، فذلك يمكن، وأحيانا يجب النقاش والجدال بشأنه، والاجتهاد فيه وفقا لمعطيات ومقتضيات العصر، لكن ما نص عليه القرآن الكريم بوضوح لا لبس فيه، فهو، كما يقول العلماء، قطعي الثبوت– شأن كل آيات القرآن – وقطعي الدلالة، لجلاء معناه لدرجة لا يحتمل معها أي تأويل، فهو من الثوابت التي لا يجوز الحوم حول حماها.
القفز للأمام بالتعدي على ثوابت الدين لعبة قديمة يجيدها الحداثيون والتنويريون جدا– الأفضل أن أقول مدعي الحداثة والتنوير- في مجتمعاتنا بشكل منقطع النظير. أولئك النفر من الناس، الذين لا يتورعون عن التشكيك، وأحيانا السخرية من كل ما له علاقة بالدين قربت أو بعدت، يلتزمون صمتا غريبا ومريبا، إذا ما استدعاهم الناس لمجرد الإدلاء برأيهم، في قضية دنيوية تخص النظم والسلطات والحقوق والحريات!
من المدهش أن الذين انتفضوا تأييدا للمشروع التونسي، بمساواة نصيب المرأة في الميراث بنصيب الرجل، في كل الحالات، إنما انتفضوا لأن الأمر يتعلق بالدين، وتحديدا دين الإسلام، الذي يعدون الخروج على ثوابته، علامة حداثة وأمارة استنارة، بينما لا يقلقهم، ولا يمس مشاعرهم الرقيقة تجاه المرأة، أن تكون أما لأيتام، لا تجد ما تقوتهم به، بسبب افتقاد العدالة الاجتماعية، ولا يحرك حداثتهم ويستثير استنارتهم، أن تتعرض نفس المرأة التي يطالبون بمساواتها في الميراث، لقمع من أي نوع، فأولئك النفر في تقديري، يتساوون تماما مع قرنائهم التنويريين والحداثيين، الذين يذرفون الدموع شفقة على خراف الأضاحي، بينما دولهم تذبح بأسلحتها الفتاكة آلاف البشر، دون أن يهتز لهم جفن، ولا تتحرك لهم مشاعر.
ليس لدي اعتراض، ولا أملك هذا الحق، على قوانين الدول، فمن حق كل دولة أن تشرع لنفسها ما تراه مناسبا لها من القوانين، لكن في الوقت نفسه، من حق المؤسسات الدينية، وفي مقدمتها الأزهر الشريف، أن تعلن رأيها في أمر يخص الدين وثوابته، دون أن ينهشها الناهشون، باسم تلك الحداثة المدعاة والتنوير.
بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
27/08/2017
2903