+ A
A -

يبدو أن القول المشهور بأن «السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة» هو على المحك الان. ذلك لأن هناك بعض العلامات والدلائل في محيط العالم العربي التي تشير إلى وجود صراع أو تناقض بين العوامل السياسية والعوامل الاقتصادية في طريقة اتخاذ القرارات. على سبيل المثال فإنه من الواضح من نتائج اجتماع الدول المنتجة للنفط الذي انعقد مؤخرا في دوحة قطر أن العوامل السياسية تغلبت على العوامل الاقتصادية وأن المشاكل السياسية بين المملكة السعودية وإيران كان لها الغلبة في عدم الوصول إلى الاتفاق على تثبيت حجم الإنتاج النفطي. أما في مصر فأن مشكلة الجزيرتين (تيران وصنافير) تبدو نابعة من تغلب العوامل الاقتصادية على العوامل السياسية وإن انتقال السيادة على الجزيرتين إلى المملكة هو انتصار للعوامل الاقتصادية على العوامل السياسية من وجهة النظر المصرية بالطبع.

فهل هنالك صراع حقيقي؟ وهل فعلاً يمكن أن يتم اتخاذ قرار سياسي حتى لو كان به تضحية اقتصادية أو العكس، عدم اتخاذ قرار سياسي رغم من أنه ممكن أن يثمر بعض المنافع الاقتصادية؟ لقد جرى العرف على أنه هنالك مجموعة من المصالح الحيوية (الاقتصادية) هي التي تتحكم في القرارات السياسية ومن ثم يتم تفسير كثير من القرارات والظواهر السياسية بمحتواها الاقتصادي. وغالباً ما اعتمدت نظرية المؤامرة التي تنتشر بين شعوب العالم العربي على العوامل الاقتصادية التي يتم تغليبها في اتخاذ بعض الدول لقراراتها السياسية.

ولكن في حقيقية الامر فإن ذلك التناقض أو الاختلاف بين العوامل الاقتصادية والعوامل السياسية ليس حتمياً أن ينتهي بانتصار أحدهما (الاقتصاد) على الاخر (السياسة). ذلك لأن التغيرات عادة ما تكون مشوشة وغير سليمة نتيجة لعاملين هما: أولا الخلط بين الفترة القصيرة والفترة الطويلة وثانيا أن التفسير للقرارات التي يتم اتخاذها لا يفرق بين المصلحة الاقتصادية للأفراد والمصلحة الاقتصادية للمجتمع أو كما يقول الاقتصاديون بين «المصلحة الفردية» و«المصلحة العامة».

فمثلاً قرار الأوبك بعدم تثبيت حجم الإنتاج الذي تبنته السعودية يمكن أن ينشأ عنه منافع اقتصادية سالبة للمملكة في المدى القصير نتيجة الانخفاض المرتقب في أسعار النفط. أما في الأجل الطويل فيمكن أن تكون هناك منافع اقتصادية إيجابية. ذلك لأن هذا القرار يمكن أن يؤدي إلى ثبات أو زيادة نصيب المملكة من حجم السوق العالمي بسبب خروج مصدري النفط الحديين (ذي التكلفة العالية) من السوق العالمي ومن ثم تكتسب المملكة قدرة احتكارية أكبر في المدى الطويل بوصفها أكبر مصدر للنفط.

اما موضوع انتقال السيادة على الجزر للمملكة يمكن أن تكون منافعة الاقتصادية على المستوى الفردي للقيادات المصرية المتخذة لهذا القرار أكبر من المنفعة على المستوى الكلي أو القومي. ومن ثم تنشأ المقاومة لمثل هذا القرار على المستوى الكلى حتى يتم تصحيح الوضع وتتساوى المنافع الخاصة مع المنافع العامة.

المفاد هنا أن تفسير عملية اتخاذ القرارات يجب أن يأخذ في اعتباره عدم الخلط بين هذه المفاهيم (المدى القصير والبعيد أو المنافع والتكاليف الخاصة مقارنة بنظيرتها العامة) حتى يمكن تقييم هذه القرارات بطريقة موضوعية أكثر شمولية وأكثر دقة.


د. حسن يوسف علي ..
copy short url   نسخ
06/05/2016
2952