+ A
A -
في سجل السياسة الخارجية للمملكة المغربية، تبدو علاقاتها مع دول الخليج العربي، منخرطة باطمئنان في خانة التحالفات الاستراتيجية. صحيح أن فتورا كان قد اعترى هذه العلاقات في بدايات عهد الملك محمد السادس، وهو ما فهم كتعزيز لسلم الأولويات الوطنية ولأجندة الداخل، في السنوات الأولى لوصول ملك شاب لعرش بلاده. بعض الصحافة الأجنبية كانت قد استوحت من مصادر مقربة من صنع القرار، جملة صغيرة، تتحدث عن «تازة قبل غزة»، حيث تحيل «تازة» إلى إحدى المدن المغربية التي لم تنل حظها من التنمية، فيما تحيل «غزة» طبعا إلى السياسة الخارجية.

هذه الجملة الصغيرة التي طالما ترددت في اللقاءات المغلقة، كانت في الواقع تريد أن تكثف رؤية معينة تهم بالأساس السياسة العربية الجديدة للعاصمة الرباط.

لكن المؤكد أن قوس هذه السياسة سيغلق بسرعة، ليستأنف المغرب، مسار تنمية عمقه الاستراتيجي، في أبعاده العربية والإفريقية، على وجه الخصوص.

تتبع وتحليل يوميات سياسات الجوار المغربي، ومواقف القيادة السياسية تجاه العمل العربي المشترك، توضح بجلاء أن خيار التحالف المغربي الخليجي، يمكن أن يقرأ كذلك كبديل على الرهان على نظام إقليمي مغاربي، متعثر ومرهون بالتوتر الحاد مع الجارة الجزائر، على خلفية قضية الصحراء. وكذا كبديل عن الرهان على نظام إقليمي عربي يحمل أعطابه وهشاشته الأصلية، مضافة إليها آثار ما بعد تحولات 2011، وهو ما جعله مرادفا لغياب الفعالية ولدبلوماسية البيانات والمناسبات وتضخم الخطابات.

بالنسبة للتصور المغربي للعلاقة مع الخليج، فليس أبلغ من العبارات المباشرة الواردة في خطاب الملك محمد السادس أمام القمة المغربية الخليجية، الأخيرة، الذي اعتبر أن الغرض من هذه القمة هو «إعطاء دفعة قوية لهذه الشراكة، التي بلغت درجة من النضج، أصبحت تفرض علينا تطوير إطارها المؤسسي، وآلياتها العملية»، وهي بذلك «خير دليل على أن العمل العربي المشترك، لا يتم بالاجتماعات والخطابات ولا بالقمم الدورية الشكلية، أو بالقرارات الجاهزة، غير القابلة للتطبيق، وإنما يتطلب العمل الجاد، والتعاون الملموس، وتعزيز التجارب الناجحة، والاستفادة منها، وفي مقدمتها التجربة الرائدة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي».

إنها كذلك قمة محكومة بسياقات خاصة، ذلك أنها حسب الخطاب الملكي «تأتي في ظروف صعبة. فالمنطقة العربية تعيش على وقع محاولات تغيير الأنظمة وتقسيم الدول، كما هو الشأن في سوريا والعراق وليبيا. مع ما يواكب ذلك من قتل وتشريد وتهجير لأبناء الوطن العربي»، في ظل «تحالفات جديدة، قد تؤدي إلى التفرقة، وإلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة. وهي في الحقيقة، محاولات لإشعال الفتنة، وخلق فوضى جديدة، لن تستثني أي بلد. وستكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة، بل وعلى الوضع العالمي»، ليخلص الخطاب إلى أن «عقد هذه القمة، ليس موجها ضد أحد بشكل خاص»، بقدر ما هي «مبادرة طبيعية ومنطقية لدول تدافع عن مصالحها، مثل جميع الدول».

تبدو إذن، العلاقات المغربية- الخليجية، متحدية عوائق الجغرافيا، مستندة إلى تطابق سياسي في قراءة مآلات حراك 2011، قائمة على دعم خليجي ثابت وقوي للموقف المغربي من قضية الصحراء، وعلى مؤازرة مغربية موصولة لبلدان الخليج في مواجهة التهديدات الإقليمية الجديدة، باحثة عن أفق جديد قد يلامس في المستقبل حدود الحلف العسكري المشترك.

مجمل القول، أنه على الرغم من الوتيرة المتسارعة لهذه العلاقات، منذ بروز فكرة دعوة المغرب لعضوية مجلس التعاون الخليجي، في ربيع 2011، مرورا بعد هائل من اتفاقيات التعاون الثنائي، المتعددة الأشكال، على المستويات الاقتصادية والأمنية والعسكرية، فالواقع أن هذه العلاقات تحمل في جذورها الكثير من العمق التاريخي، بشكل يجعل من أطروحة التضامن التلقائي ضرورة في مواجهة الاضطرابات الإقليمية، غير قادرة على تفسير كل أبعاد هذا التقارب.


حسن طارق

كاتب مغربي
copy short url   نسخ
09/05/2016
2776