+ A
A -
«الزم حدودك.. من أنت لتخاطب رئيس تركيا بهذه الطريقة؟.. إنه يحاول إعطاءنا درساً.. منذ متى تتعاطى السياسة؟ كم تبلغ من العمر؟» بهذه اللغة السياسة الحادة المليئة بالتحدي والسخرية خاطب الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان في خطاب متلفز يوم السبت الماضي وزير الخارجية الألماني سيغمار غابريال رداً على انتقاد غابريال لدعوة أردوغان للألمان من أصل تركي بعدم التصويت في الانتخابات البرلمانية القادمة للأحزاب الرئيسية الثلاث في ألمانيا «الحزب الديمقراطي المسيحي» الذي تقوده المستشارة إنجيلا ميركل والحزب الاشتراكي المتحالف معه في السلطة والذي ينتمي له غابريال وكذلك حزب الخضر، لأن هذه الأحزاب الثلاث على حد قول أردوغان «عدوة لتركيا»، وبينما تلتزم ميركل الصمت في هذه المرحلة رداً على انتقادات أردوغان العنيفة لها ولسياسة ألمانيا تجاه تركيا، إلا أن وزير الخارجية الألماني اعتبر دعوة أردوغان لمليون ومائتي ألف تركي يحملون الجنسية الألمانية بعدم التصويت للأحزاب الثلاثة «تدخلاً استثنائياً» في سياسة ألمانيا الداخلية.
هذا الخطاب هو ذروة التصعيد الذي بدأ منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قامت بها قوات في الجيش التركي تابعة لجماعة فتح الله غولن الذي يقيم في الولايات المتحدة ويحظي بدعم أميركي وغربي واسع، وقد اعتبر أردوغان منذ ذلك الوقت أن أوروبا مع دول أخرى كانت متورطة في دعم الانقلابيين غير أنه على اعتبار أن ألمانيا هي أقوى دول أوروبا وهي التي تقود الاتحاد الأوروبي بالفعل، كما أن العلاقات التركية الألمانية هي علاقات تاريخية تعود إلى ما يقرب من مائة وثمانين عاماً، كما أن تركيا كانت حليفة لألمانيا في الحرب العالمية الأولى وساهم الأتراك بشكل أساسي في إعادة بناء ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وهذا سبب وجود حوالي أربعة ملايين تركي يعيشون في ألمانيا حصل أكثر من مليون منهم على الجنسية التركية.
لكن تركيا التي ظلت تتعامل مع ألمانيا كتابع طوال العقود الماضية تحولت في عهد أردوغان إلى منافس وإلى تعديل قواعد العلاقة لتتحول من التبعية إلى الندية وهذا ما أزعج ميركل والألمان بشكل كبير، لكن الانزعاج الأكبر هو للولايات المتحدة التي لا تريد لدولة إسلامية أن تحصل على القوة الاقتصادية والسياسة والعسكرية التي تجعل لها داخل حلف الناتو أو في المنطقة قراراً مستقلاً عن القرار الغربي، فألمانيا نفسها تابع للولايات المتحدة ولا تملك قرارها أو سيادتها منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، ومن ثم فإن كثيراً من المراقبين يعتقدون أن الاشتباكات بين ألمانيا وتركيا هي وليدة ضغوط أميركية على ألمانيا، حيث تمارس الولايات المتحدة على تركيا ضغوطاً من نوع آخر تتمثل في دعم الأحزاب الكردية التي تحاربها تركيا في سوريا، والتي تعتبرها تركيا إرهابية وكذلك دعم غولن وعدم تسليمه لتركيا رغم تسليم الأتراك للأميركان الوثائق التي تدل على تورط غولن في المحاولة الانقلابية الفاشلة.
إذن اللعبة أكبر من أن تكون بين الأتراك والألمان الذين لا يريدون لأزمة علاقتهم من الأتراك، أن تذهب بعيداً، لأن الخسائر ستكون فادحة على الطرفين، ولكن فتش دائماً عن الولايات المتحدة!

بقلم : أحمد منصور
copy short url   نسخ
23/08/2017
6683