+ A
A -
قبل أيام نشرت وسائل إعلام النظام السوري صورا لمفتي سوريا أحمد بدر حسون، وهو يقدم نسخا من القرآن الكريم، هدية لممثلين مصريين، كانوا مدعوين للمشاركة في افتتاح معرض دمشق الدولي، بعد سنوات على توقفه، نتيجة الحرب المستعرة على الأرض السورية.
وبقدر ما في الصور المنشورة من سوريالية مدهشة، حين تقوم أعلى شخصية دينية إسلامية في دولة ما بتقديم هدايا (قرآن كريم) لممثلين وممثلات لعبوا في السينما أدوارا، يعتبرها الشرع الإسلامي خروجا عنه، ويعتبرها المشرعون مساسا بأخلاق المجتمع وعاداته، لاسيما ممثلة كإلهام شاهين، لعبت أدورا جريئة ومثيرة للجدل جدا، فإن ما يزيد في سوريالية الصور والحالة كلها هو صورة الممثل المصري محمد صبحي، إذ بدا صبحي وهو يرتدي بنطالا وقميصا بلون زهري أو ما يسمى بالمصري (بمبي) وفوق القميص يرتدي جاكيت رمادي اللون.
هذه الصورة بكل مافيها تعبر خير تعبير عن الحالة السورية اليوم، إذ يريد النظام الإيحاء بأنه نظام علماني، فلا يمانع مفتي الجمهورية، على عادة المؤسسات الدينية في التحالف مع أي سلطة موجودة وتنفيذ رغبات أجهزتها الأمنية، بأن يقابل من يعملون في مهنة مرفوضة دينيا بالنسبة له، ويقدم لهم هدية هي القرآن الكريم! كما يريد النظام الإيحاء بأن الحياة في سوريا عادت طبيعية ولونها (بمبي) وردي، على لون ثياب محمد صبحي، وهو ما صرحت به مستشارة الأسد، بثينة شعبان، ليلة افتتاح المعرض، أن الحرب في سوريا قد انتهت، في نفس الوقت الذي يتم فيه قصف ريف دمشق (جوبر تحديدا) بوتيرة مستمرة لا تهدأ.
وفي نفس الوقت الذي يعلن فيه سكان حلب عن عودة القذائف إليهم، وكأن اللون الرمادي لجاكيت محمد صبحي يكشف حقيقة الادعاء بأن الحياة طبيعية في سوريا، بينما في صور أخرى غير رسمية مسربة من المعرض، تظهر شاحنتان كبيرتان تقفان أمام المعرض ممتلئتان بالسوريين الذين تم سوقهم لحضور المعرض، محشورين في شاحنات لا تصلح لشحن البشر، كدليل جديد وصريح على رغبة النظام السوري في إذلال السوريين بأية طريقة ممكنة، مستغلا فقر وحاجة وفاقة من أذلتهم الحرب التي شنها النظام عليهم، ورفضوا مغادرة البلد.
أما رمزية زيارة ممثلين مصريين إلى سوريا، للاحتفال بـ«النصر»، فربما يحتاج الحديث عنها إلى تحديد دور الأنظمة الاستبدادية في صناعة نجومية ممثلين ومنعها عن آخرين، وهو دور غالبا ما تقوم به الأجهزة الأمنية التابعة لهذا النظام أو ذاك، كما يجب الحديث عن الاتساق بين ما يقدمه هذا الممثل من أدوار مهمة وبين قناعاته وسلوكه اليومي، والحديث هنا عن محمد صبحي تحديدا الذي قدم العديد من المسرحيات السياسية في زمن حسني مبارك، وهو حديث يفضح حالة الفصام التي يعيشها هؤلاء الذين يحاولون حشر أنفسهم في خانة النخبة المؤثرة، وهم في حقيقتهم ليسوا أكثر من أبواق للنظم الديكتاتورية أينما كانت، مروجين للبروباغاندا التي تعتمدها هذه النظم للتسويق لنفسها، في صورة لا تختلف أبدا عن صورة محمد صبحي في ملابسه البمبي مع حسون مفتي جمهورية الموت والدم.
بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
22/08/2017
2352