+ A
A -
إن الدولة السعيدة تعمل على أن توطد أقدامها كوحدة مستقلة، وأن تتجنب ما أمكن الاشتباكات الاجنبية، وان توزع الثروة بالعدل، وان تسعى للاقلال من العقوبات والاكثار من التعليم، وتعلم الجميع آداب السلوك والموسيقى، ولا مخرج للفوضى الا عن طريق الاسرة، فالمجتمع يستمد تنظيمه وكيانه من توطد النظام في الاسرة.
والحاكم هو الأب، وعليه ان يكون مرشدا وحانيا على افراد شعبه، وعليهم بدورهم ان يبجلوه ويطيعوه، ذلك انه اذا هبت الريح....على الحشائش ان تنحني، كما على الجميع ان ينفروا من الشقاق بين افراد الاسرة نفورهم من القتل، وان كان هذا لا يمنع من ان يعترض الابناء اذا طلب منهم الأب طلبا جائرا، فإن ادراك الواجب خُلق اسمى من ولاء القربى.
هذه بعض تعاليم حكيم الصين «كونفشيوس» الذي قضى عمره كله يبحث عن حاكم عادل، واسرة مترابطة تكون نواة لمجتمع فاضل، وجه اليه احد الامراء المختالين هذا السؤال:«ألا يجدر برجل الحكم أن يؤثر الشجاعة على ما عداها»؟ فاجاب الحكيم:«بل يقدم الاستقامة على ما عداها، فصاحب المنصب السامي الذي يؤتى الشجاعة بدون الاستقامة خطر على الدولة، والرجل العادي الذي توفرت له الشجاعة بلا استقامة لا يعدو أن يكون قاطع طريق!
وكان كونفشيوس يكرر لتلاميذه كلمات نعرفها جميعا ولا نتوقف عندها:«الحب يحجب العيوب،
والكراهية تحجب الحسنات، فالناس عادة يفقدون القدرة على الحكم على اولئك الذين يحبونهم، وعلى اولئك الذين يزدرونهم أو يكرهونهم، وعلى اولئك الذين يخافونهم، وعلى اولئك الذين يرثون لهم، وعلى اولئك الذين يجلونهم أو يفخرون بهم...ومن ثم فقلة في الحياة أولئك الذين يستطيعون أن يتبينوا العيب فيمن يحبون، والخير فيمن يكرهون....والذين يبغون تنظيم حياتهم القومية، يجب أن يعكفوا على تنظيم حياتهم المنزلية، فالذي يخفق في تعليم أفراد أسرته لا يمكن ان يوفق في تعليم من هم خارج نطاق الاسرة، والمرء اذا عاش في وئام مع أهل بيته،
صار اهلا لأن يكون مثالا لابناء أمته، وحفظ السلام في العالم يتوقف على تنظيم الحياة القومية،
فاذا تعلم أصحاب السلطان ان يحترموا كبار القوم،
تعلم عامة الشعب ان يكونوا أبناء صالحين.
واذا احترم ذوو السلطان من هم فوقهم، تعلم عامة الشعب الاحترام والتواضع، واذا أبدى ذوو السلطان العطف للصغير والعاجز، لن ينهج الشعب نهجا مضادا، ولكي يكون الحاكم أبا حقيقيا للشعب، وجب أن يحب ما يحب ما يحبه عامة الناس وان يكره ما يكرهه عامة الناس، ولا يجب أن يهمل من هم في مركز القوة أو يقصروا..
فانهم اذا اخطأوا مرة نبذتهم الدنيا بأسرها..والذين يكسبون الشعب في صفهم يحتفظون بحكم البلاد،
أما اولئك الذين يخسرون اتباع الشعب لهم، فانهم يفقدون السيطرة على البلاد، وخليق بالامير أو الحاكم ان يحرص اولا على خلقه الخاص وشخصيته، فإن كان ذا خلق وشخصية، كان الناس معه، وان كان الناس معه صار له سلطان على البلاد، وحظي بالجاه والقوة، وتمكن من القيام بجلائل الاعمال.
وهكذا..الاخلاق هي الاساس، ولم يحدث قط أن وجد حاكم يحب الخير وتعجز رعيته عن حب الاستقامة..ولا حدث قط أن أحب شعب الاستقامة الا وتوفرت للدولة كل سبل النجاح سأله أحد الامراء يوما في لهجة استخفاف وقحة: «ما هي العناصر الثلاثة التي تراها ضرورية للحكومة الكاملة؟ فأجابه: «كفاية من الغذاء وكفاية من الجنود، و...ثقة الشعب» قال الامير:«وهب ان هذه العوامل لم تجتمع معا، فأيها يمكن الاستغناء عنه؟ رد الحكيم:«الجنود أولا...ثم الطعام...ولكني لا أنصح قط بالاستغناء عن ثقة الشعب، فبدون هذه الثقة لا تستطيع حكومة ان تقوم» !

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
16/08/2017
2150