+ A
A -
من بيروت اكتب مقالي الاول في صحيفة الوطن. اكتب من وطن احيى قبل ايام الذكرى الـ 41 للرصاصات الأولى لحربه المشؤومة. نتذكر هذه المأساة كل عام حتى لاتعاد. لكننا عندما نتفحص مناعتنا نجد انها هشة ومريضة. اوقف اتفاق الطائف اصوات الرصاص ودوي المدافع بين الجبهات اللبنانية وبين «الشعوب» اللبنانية لكنه لم ينزع ايا من اسباب الفتنة والعوامل التي فجرت هذا البلد الصغير.

ندعي اننا تعلمنا من المحنة التي شلت اوصالنا واننا استخلصنا العبر والدروس حتى لاتتكرر اللعنة. نتوهم اننا استيقظنا من كبوتنا وقلبنا الصفحة ولن نسقط ثانية في ايدي امراء الحرب وتجارها. لكننا لم نتعلم ولم نكف عن مواصلة السير على طريق الانتحار مجددا.

في ذكرى تلك الحرب، مظاهر تفكك لبنان عام 2016 تتجاوز بكثير تلك التي كانت قائمة عام 1975، ما يجعل مناعته كدولة في الحضيص. أما مؤشرات تنازع طوائفه، فهي أعلى وأعنف بما لا يقاس من مؤشرات الساحة اللبنانية عشية تلك الحرب. الاستقرار الشكلي الهش مرشح للانهيار عند أول حادثة أمنية عرضية في حال توافرت الارادة الدولية والإقليمية لذلك، فالارضية المحلية بكامل جهوزيتها. بدل «بوسطة» عين الرمانة تتوزع عشرات «البوسطات» على مئات المناطق الحساسة والمعبأة بالعصبية والمذهبية والتقوقع ورفض الاخر. وبدل «الغريب» الفلسطيني صار لدينا «غرباء» كثر. وإسرائيل حاضرة دوماً. يعشق اللبنانيون الحديث بالسياسة لكن الحياة السياسية في موت غير معلن. الدولة في خبر كان.. وعندما يتفق امراء الطوائف يجعلون الدولة كعكة يتقاسمونها حصصا، وعندما يختليفون يحرقون الوطن. نحن في حرب مؤجلة.

يد الانقاذ العربية كانت تمد لنا في اللحظات الحرجة، اتفاق الدوحة ارخى استقرارا سياسيا وامنيا في لبنان لم يطل كثيرا. فحروب المنطقة الممتدة من العراق إلى ليبيا مرورا في اليمن وفي القلب سوريا ابعدت لبنان عن عيون محبيه وشغلتهم عنه. شغر قصر الرئاسة الأولى من شاغله وعلق انتخاب الرئيس في انتظار نتائج الحرب السورية التي تطول وتطول، كما علق مجلس النواب وشلت الحكومة العرجاء بحسابات الطائفية والمحاصصات.. وكرت سبحة الفضائح.

لم يتعلم اللبنانيون من محنتهم، ولم يتعلم جيرانهم من الدرس اللبناني. انزلقت سوريا إلى المصير اللبناني وسبقها إلى ذلك العراق كذلك اكتوى اليمن بنار العلة نفسها. كان يمكن التسوية السياسية التي لا تظلم اكثرية ولا تحرم اقلية من حقوقها ان ترضي كل المكونات في هذه الدول وتحول دون شر القتال المدمر للوحدة والنسيج عدا البشر والحجر. أي تسوية لتفادي الاقتتال الاهلي كان من شانها ان توفر الخراب وتحول دون تشريع الابواب امام التدخلات الخارجية وتضع البلاد على سكة الاستقرار والتقدم، واي تسوية تعقب الاحتراب وتديرها المصالح الاجنبية على حساب المصالح الوطنية لن تكون نتيجتها سوى دولة فاشلة ومهشمة تتقاذفها الامواج والتحاصص. سوريا كانت لاعبا اقليميا يحسب له حساب صارت ملعبا للاخرين، فقدت دورها وحصانتها وتمزق نسيجها الاجتماعي ويكتب دستورها بقلمي كيري ولافروف. العراق الدولة جعلته التسوية التي اعقبت الغزو دويلات ممزقة، كان ينام على ثروة صار قفرا منسيا. اما اليمن فلم يعد سعيدا وطريقه إلى التسوية وعرا كمسالكه الجغرافية.

الحروب الاهلية ليست حكرا على العرب. دول عدة شهدت حروبا مماثلة لكنها نجحت في استخلاص عبرها وتحويلها إلى قوة دفع لشعوبها وحافزا على التمسك بالوحدة. الحرب الاهلية في سويسرا نقلت هذا البلد من التفكك والكانتونات اللغوية والاتنية إلى دولة السلام والحياد الأولى في العالم، الحرب الاهلية اعادت لاسبانيا مكانتها في اوروبا بعد مصالحة الملكيين مع الجمهوريين، الحرب الاهلية ايضا توجت الولايات المتحدة اكبر قوة عالمية بعد جمع شمالها وجنوبها في بوتقة واحدة..

هذه الدول استوعبت الدرس وخرجت من المحنة اكثر صلابة، دعمت حصانتها بمضادات الدم المسفوك والخشية من تكرار المغامرات المدمرة، وادركت ان المؤسسات هي الضمانة، صاغت مستقبلها بارادة اهلها.. فهل نتعلم؟.

امين قمورية..
copy short url   نسخ
04/04/2016
1314