+ A
A -
عندما أصدر الكاتب اللبناني سهيل إدريس مجموعته القصصية الأولى ارسل نسخة منها إلى الأديب المعروف سعيد تقي الدين المقيم في الفلبين، وانتظر تقريظاً منه، وبعد عدة شهور ارسل له الأخير مقالة ضخمة تحتوي على ثماني وأربعين صفحة.. وأصر الكاتب المبتدئ على نشرها في جريدة بيروت المساء كاملة على الرغم مما تضمنته من نقد أعتبره أصدقاء الكاتب هجوماً عنيفاً لا يجب أن يطلع عليه القراء، لكن سهيل إدريس كان من الشجاعة والفهم بحيث رأى في الخطاب ما لم يره غيره.
واعترف قائلاً: «بأن هذا النقد اللاذع أفاده كثيراً، وأنه مدين لمن كتبه بتحرر لغته من التقعر والترادف وغريب اللفظ،» وهأنذا أقتطع من الرسالة الطويلة بعض النصائح المهمة التي على كل من يمتهن الأدب اتباعها والإفادة منها، يقول تقي الدين في رسالته الموجهة لسهيل إدريس: «في كتابك لم ألق منجم ذهب ولا عروق تبر، ولكني وجدت الكثير من الحصى حوامل الذهب، فهل تهتدي إلى المنجم في غدك، أو بعد عشرة أعوام؟ لا أدري.. هذا سؤال لن يجيبه سواك، أنك كأكثر كتابنا فقرك في غناك، مولع بالألفاظ والتعابير والعبارات التي تصرفك عن ترويض جسدك، فتكتفي بجمال ما يعلوه من ثياب ولا تطلب في الجسم صلابة العضلات، ثم ما هذا الازدواج العجيب «أطفئت عيناه فهو لا يبصر» إذا أطفئت عيناه فهو طبعاً لا يبصر! حب وود- شذى وعطر– هلا شرحت لي الفرق بين الاطمئنان والسعادة والحب والود، لماذا لا تقتصد في الكلمات، وفضلاً عن الازدواج أراك تؤمن بالكلمات غير المألوفة مثل «تصرمت أيام» أيهما أجمل مضت أو انقضت أو ولت أم تصرمت، ما عيب هذه الألفاظ غير أن كل الناس يفهمونها، وأننا تربينا على خطأ أن البلاغة هي في كتابة ما يصعب فهمه.. أعتق قلمك من العبودية اللفظية.. وتذكر ألا يوجد إنسان ليس لديه قصة، الفرق أن قليلاً من يعرف كيف يرويها، خذ أي اثنين يخبرانك نفس الحكاية.. ستقهقه لواحد وتتثاءب من الآخر.. وابتعد عن السذاجات، إن الناس لا يتفوهون بعبارات خالدة وهم على فراش الموت، إنهم يتفوهون بمثل هذه العبارات في بيت الخلاء، وإن لم تصدقني فاقرأ سيرة المهاتما غاندي، وأني أعلم علم اليقين عن أحد رجالات لبنان في العهد الماضي والذي ملأت صوره وأحاديثه الصحف والمنازل، أتدري ما كانت كلماته الأخيرة وهو يحتضر: أخ على صحن مهلبية». أن أكبر نكبة على اقتصادات أي بلد هي التضخم المالي، وفي اعتقادي أن أعظم مصيبة على الأدب العربي اليوم هي التضخم الإطرائي، يهمني جداً أن تحبني ولكن يهمني أكثر أن تحترمني، وأني لأؤثر أن أدفعك إلى العمل بكلمات مؤلمة من أن أقتلك رويداً رويداً بشيء تستلذه وأستلذه أنا ويستلذه الناس أجمعين.. وهو.. مورفين المديح.
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
15/08/2017
1919