+ A
A -
عادة لا يختار الرؤساء الأميركيون ان يحددوا أولويات سياساتهم الخارجية. الأحداث تفرض عليهم رسم أجنداتهم الدولية. انهيار الاتحاد السوفياتي حتم على جورج بوش الأب وبيل كلينتون اتخاذ قرارات معينة. الانتفاضات العربية وصعود تنظيم داعش فرضا على باراك اوباما مسلكا سياسيا معينا.
وفي هذا السياق يواجه دونالد ترامب التحدي نفسه، حين أقحم الكونغرس روسيا في رأس جدول اعماله.
جاء ترامب إلى السلطة على أمل ترسيخ «علاقات ممتازة» مع روسيا بعد أن وصف فلاديمير بوتين بأنه رجل «حادّ الذكاء». هذا النهج كان يعكس إلى حد كبير وجهة نظر الرأي العام الأميركي: ففي استطلاع أجراه «مجلس شيكاغو» في أوائل عام 2016 وجد أن 56 في المائة من الأميركيين يفضلون التعاون مع موسكو على العمل للحد من نفوذها، بينما أفاد استطلاع آخر لمركز «بيو» أن 23 في المائة فقط حددوا روسيا كـ «عدو».
لكن حدث عكس ما أراد، وبعد نحو ستة أشهر من وصول ترامب إلى البيت الأبيض، انشغلت إدارته في سلسلة متلاحقة من التحقيقات حول تورط محتمل للكرملين في التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، وهو ما أدى إلى تردّي العلاقات بين الدولتين إلى أدنى مستوى لها. وبات 31 في المائة من الأميركيين يرون حالياً أن روسيا هي البلد الذي يمثل «أكبر خطر» للولايات المتحدة.
وفي المقابل، يقول 22 في المائة إنها كوريا الشمالية، و9 في المائة فقط إنها إيران.
وبالنسبة إلى ترامب، هذه معضلة مفهومة - ليس فقط لأن الساحة السياسية قد تحوّلت بسرعة بعيداً عنه، بل أيضاً لأنه كان الفائز في الانتخابات التي تُتهم فيها موسكو بالتدخل، وتاليا فإن الرئيس الأميركي يَعتبر انتقاد روسيا بديلاً لهجوم على شرعية فوزه.
سعت الإدارة الأميركية الحالية بالتخفيف من حدة الهجوم المحلي عليها، بالحفاظ على العقوبات التي فرضها اسلافها على روسيا، وواصلت نشر قوات أميركية في أوروبا الشرقية، ووجهت ضربات في سوريا ضد حلفاء روسيا، في تحدٍ لموسكو. ومع ذلك، يُلقي الشبح الروسي بظلاله على رئاسة ترامب، ومعها تحالفات أميركا العابرة للأطلسي، وسيواصل هذا الشبح القيام بذلك من دون إجراءات حاسمة.
وبالفعل كانت موسكو جريئة على نحو متزايد في تحديها للغرب، وصار خطر اندلاع صراع بين القوى العظمى في ذروته منذ نهاية الحرب الباردة. وباتت واشنطن في حاجة ماسة إلى استراتيجية واضحة للتعامل مع هذا التحدي.
العقوبات القاسية التي أقرّها الكونغرس ضد روسيا، لم تكن فقط عقابا لموسكو، بل كانت أيضا عقابا لترامب شخصياً ولمساعيه في تحسين العلاقات مع الكرملين، وبلوغ توافقات معها في شأن عدد من الملفات الشائكة، كالملفّين السوري والأوكراني. قرار العقوبات قيّد يدي الرئيس فعلياً في التصرف بملف العلاقات مع روسيا منفرداً، ربما بسبب فقدان الثقة في نياته تجاه هذا الموضوع، لذلك اختار ترامب تجرع الكأس المرة، وصادق على قرارات الكونغرس، التي وصفها، بعد التوقيع عليها، بأنها معيبة، مبرراً قبوله لها على مضض بأنه «للحفاظ على وحدة الأمة»، وتحاشي المواجهة مع الكونغرس، ربما لأنه ومستشاريه أدركوا أنه سيكون الخاسر فيها إن قرر المضي فيها حتى النهاية.
وبالنسبة إلى أي إدارة أميركية، سيطرح التعامل مع روسيا وغيرها من الخصوم الذين يتحلّون بالجرأة والقوة، مشكلةً كبيرة. أما بالنسبة إلى إدارة ترامب، فيكتسي تخطي هذا التحدي أهمية خاصة إذا كانت تأمل في استعادة السيطرة على أجندة السياسة الخارجية الخاصة بها.

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
10/08/2017
2532