+ A
A -
كان أول اسم رسخ في ذاكرتي وحببّني في الفلسفة ودفعني لدراستها لاحقاً هو الكاتب والفيلسوف الإنجليزي «كولن ويسلون» الذي أقترن اسمه على الدوام باسم المترجم الذي ترجم معظم أعماله «سامي خشبة»، فيما بعد قرأت الكثير عن هذا الكاتب ولم اقرأ شيئاً عمن كان له الفضل في تعريفي وتعريف القارئ العربي به، وقبل شهور وقع في يدي كُتيب صغير للكاتب والمفكر «يوسف زيدان» يشير فيه إلى معرفته وصداقته بهذا المترجم الذي جنبني الحيرة والتردد التي يقع فيها الكثيرون والكثيرات في اختيار التخصص الذي يكملون به تحصيلهم الدراسي بعد المرحلة الثانوية، لقد عرفت مبكراً ماذا أريد، وأحببت ما أردت، يقول المفكر زيدان إنه عرف سامي خشبة لمدة عشرين عاماً، ومع ذلك لم يكن يعرف عنه الكثير، لأنه نادراً ما كان يتحدث عن نفسه، وكان لا يميل إلى سرد وقائع حياته وتفاصيل صلته بكبار مثقفي مصر وأدبائهم ومفكريهم، وانقل هنا كلمات «زيدان» حيث يقول: «ولأنه كان صموتاً دوماً وقليل الكلام عما يخصه، فكثيراً ما كانت وقائع حياته تدهشني إذا جاءت مناسبةَ فحكى عن شيء بسببها، مثلاً استشهدت مرات في حديثي معه بكتابات «كولن ويلسون» فلم يُعقب بشيء واستكمل النقاش كأن الأمر لا يخصه، حتى قلت له يوماً إنني قرأت في المرحلة الإعدادية كل أعمال كولن ويلسون المترجمة، فسألني «هل تتذكر اسم المترجم؟»، فقلت: «لا كنت صغيراً ولم اهتم بذلك!! فضحك، ففهمت أن في الأمر شيء، فقد كان هو من قام بترجمتها، وكان سبب لجوئه للترجمة هو شظف العيش، إذ كان أيامها بصدد الزواج، وكانت المكافأة التي يحصل عليها من كل ترجمة هي مائتا جنيه، فكان يترجم كتاباً ويشتري بثمنه أثاث غرفة الطعام، ثم كتاباً تالياً ليشتري غرفة النوم، وثالثاً لشراء غرفة جلوس، ورابعاً لإصلاح شقة والده التي تزوج فيها وعاش طيلة عمره، ضحك يومها ضحكته الطيبة وهو يشير لأنحاء بيته الذي كان سابقاً بيت والده، وقال: «أثاث هذا البيت من خيرات كولن ويلسون.. سألته: كأنك نادم على قيامك بهذه الترجمات، فما سر هذا الندم؟، قال: لستُ نادماً، فهو كاتب مُهم، ولكن لو كان الأمر باختياري وليس بطلب الناشرين، لقمت أيامها بترجمات أخرى لفلاسفة أكثر منه عمقاً»، ولحسن حظي أن الأمر لم يكن باختياره، فلو أنه ترجم لآخرين درستُ لهم فيما بعد لما كنت أحببت الفلسفة.. هذا المترجم العظيم أوصى زوجته بأن تُرسل مكتبته ومكتبة والده إلى مكتبة الإسكندرية بعد وفاته، وكانت تحتوي على طبعات قديمة ونادرة وزادت على خمسة آلاف كتاب، ولم تتردد في تنفيذ وصيته.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
09/08/2017
1657