+ A
A -
يدرك المواطن العربي جيداً شعور الحرية الذي يصيبه عندما يكون في زيارة إلى إحدى الدول الأوروبية، فقدرته على ممارسة ما يرغبه من سلوك شخصي واعتقاد ديني وفكري وسياسي، وما يتركه ذلك من صحة نفسية للفرد وللمجتمع عموما شيء غاية في الأهمية، غير أن الأهم هو ذلك الإحساس المفرط بحريتك كإنسان يمكنه التنقل من مكان إلى آخر دون أي اعتراض من أحد؛ إذ يكفي أن يكون جواز سفرك مختوماً بفيزا أوروبية عامة، وستنطلق للتجوال بين كل دول وبلدان أوروبا دون أن تتعرض لأي سؤال.
فإذا ما كنت مواطناً أوروبياً أو حاصلاً على إقامة طويلة أو قصيرة، فأنت حر في اختيار الدولة التي ترغب بها للعيش أو العمل، لا تشعر حكومات تلك الدول بالخطر من حركة البشر في أراضيها، رغم تعرضها لأكثر من عملية إرهابية من إرهابيين مجنسين، وليسوا قادمين جدداً، وتعرف أنها لا تملك حق منع البشر من التجول والسفر وحرية الحركة والتنقل، صحيح طبعاً، أنها تضع شروطاً كبيرة للحصول على تأشيرات الدخول لمن يرغب من مواطني العالم الثالث البائس أمثالنا، ولكن ما أن يصبح أحدنا هناك حتى يعامل كما لو كان أحد مواطني تلك الدول.
ومهما كان رأينا في سياساتها الخارجية وتحالفاتها التي تصب في مصلحة مافيات السلاح والسياسة والاقتصاد التي تحكم العالم فعلياً وتخطط لمستقبله، فإن احترامها لحقوق البشر في أراضيها لا يمكن المساومة عليه، ولا تستخدم البشر في صراعاتها أو خلافاتها السياسية، تدرك حكومات العالم المتقدم أن وجودها مرهون أولاً باحترام حقوق شعوبها وإنسانيتهم، تسعى لتضمن لهم ذلك ثم تمارس السياسة التي تشاء، ليس في هذا احترام للإنسانية فقط، بل هو ذكاء وحنكة في التعامل السياسي اليومي والاستراتيجي، وتقاليد ديمقراطية تأصلت منذ وقت طويل، تقاليد مبنية على احترام قيمة الفرد بذاته لا بأي انتماء آخر، ورغم أن دول أوروبا لا روابط كثيرة تجمع بينها، إذ نادراً ما ترى لغة مشتركة بين بلدين، ولا يوجد اختلاط بالعوائل، وهي أصلاً تعج بالمهاجرين المجنسين من زمن طويل، عدا عن تاريخ الحروب الطويلة في ما بينها، ومع ذلك استطاعت أن تشكل اتحاداً قوياً يجهد اليمين المتطرف للإطاحة به دون أن يتمكن من ذلك بسبب قوة الرأي العام الشعبي المحترم من الجميع.
لكن، ماذا بشأن بلادنا العربية ذات التاريخ واللغة والمصير الواحد المشترك؟ يعامل المواطن العربي في الدول العربية الأخرى بوصفه عدواً ومسؤولاً مباشراً عن كل ما يحدث من مشاكل في هذه الدولة أو تلك، حصل هذا مع السوريين في غالبية الدول العربية، حصل قبلهم مع العراقيين والفلسطينيين، وسيحصل مع الجميع طالما حكومات العرب تستخدم البشر، حتى شعوبها، لغاياتها السياسية، وطالما لا قيمة لهذه الجموع البشرية الكبيرة بأية حال من الأحوال، أما الفضيحة الكبرى فهي حظر التنقل بين بلدان المنطقة الواحدة، تلك البلدان التي ترتبط شعوبها بأواصر القربى والنسب، ولعل في الأزمة الخليجية الأخيرة وما قامت به حكومات الدول المحاصرة لقطر من إجراءات تمنع العوائل من التزاور فضيحة الفضائح، في الوقت الذي تصرفت فيه قطر بدبلوماسية عالية أربكت أعداءها، هل نحلم كشعوب عربية أن نصبح ذات يوم خارج معادلات الخلافات السياسية أسوة بدول العالم المتحضر؟
يبدو هذا حلماً بعيد المنال حتى الآن.

بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
08/08/2017
2525