+ A
A -
لعل النتيجة الأبرز للمواجهات التي خاضها المقدسيون وأرغمت إسرائيل على التراجع عن اجراءاتها في المسجد الاقصى، هي إعادة الثقة للمواطن الفلسطيني في نفسه وقضيته ومستقبله، فالنصر ممكن إذا ما توافرت الإرادة العامة، والجدارة الإنسانية بالتحرير رهن بالاستعداد لبذل التضحيات. وعلى عكس تيار الريح السياسي في الاقليم أثبت المقدسيون أننا لسنا ضعفاء، وأن إسرائيل ليست قوة خارقة للطبيعة. وبهذا المعنى ألحق الفلسطينيون هزيمة موجعة بإسرائيل في صراع الإرادات على مستقبل المدينة المقدسة.
لكن المواجهة لم تنته بعد وحذار المبالغة بالتوقعات والاستنتاجات، ذلك ان إسرائيل غير مستعدة ولا مهيأة لأي تراجع عن خططها في ابتلاع القدس وتهويدها، والمواجهات قد تتجدد مستقبلا.
ففي وقت كانت حكومة نتانياهو تسحب قرارها بوضع أجهزة مراقبة إلكترونية على بوابات الحرم القدسي، كانت الكنيست تصادق بالقراءة الأولى على مشروع قانون «القدس الموحدة» الذي يضع شروطا تعجيزية على أي انسحاب منها حتى في حال إقرار تسوية الدولتين.
وتاليا من المتوقع ان تتخذ حكومة التطرف الإسرائيلي إجراءات أخرى أشد وأخطر.
واذا كانت انتفاضة القدس أعادت تعريف القضية الفلسطينية على الوجه الصحيح: قوات احتلال تبطش وشعب أعزل يقاوم، فإن هذه المعادلة وحدها ليست كافية لصد مشروعات تهويد القدس في ظل التفاهمات العربية المستجدة مع إسرائيل ومحاولات دمجها في الإقليم كأحد مراكزه الرئيسية، وتقديم بعض العواصم العربية الكبرى اولوية فرض الهيمنة على الاشقاء والجيران، على الصراع مع المحتل الإسرائيلي.
وأزمة الفلسطينيين ليست فقط مع محيطهم العربي، بل أيضا في قيادتهم الحالية التي تآكلت شعبيتها بعد فشل مغامرة اوسلو برمتها، والتي حولت السلطة إلى مجرد أداة تستغلها إسرائيل خدمة لسياساتها، فانتهوا مُحيدين ومعهم أي فعل شعبي حقيقي إما طوعا أو كرهاً. ايضا المشروع المقاوم قاد أيضا إلى تحييد غالبية الفلسطينيين، عندما تحول إلى أنماط عسكرية وصاروخية، وتاليا أخرجت غالبية الفلسطينيين من ميدان «المقاومة» كما كانوا قد أخرجوا من ميدان السياسة.
انتفاضة القدس تعيد تدوير الدرس التاريخي للفلسطينيين مرة اخرى: المقاومة الشعبية تشل ميزان القوى العسكري التقليدي، واستدامة عشرات ألوف الناس في الشوارع تجمد الرصاص سواء في سلاح المُحتل أو سلاح المُستبد الذي بات مكشوفاً تحت ألوف الكاميرات التي تنقل الحدث حياً وعلى الهواء. مقدسياً إذن، غابت القيادات السياسية الحزبية الفلسطينية والسلطوية عن المشهد فلم يكن هناك مجال للمساومات السياسية وممارسة احتكار السياسة كما هو الديدن خلال ربع قرن من المفاوضات والسلطة العقيمة، بما يؤدي إلى إقالة الناس إلى بيوتهم تحت مخدر ان القيادة تقوم بالواجب. كما غابت انماط المقاومة الانتحارية التي قد تؤذي فردا من أفراد العدو هنا أو هناك لكنها توفر له المسوغ لإطلاق وحشه العسكري والقمعي بلا حدود، وكان لغياب محتكري السياسي ومحتكري المقاومة الأثر الكبير في بقاء الناس في الشوارع وفي تجميد الوحش العسكري وشل قدرته.
وهكذا، برز وضع جديد في الأراضي المحتلة تفاعلاته في بداياتها، فقد استقطبت «انتفاضة القدس» مئات الألوف خارج عباءات الفصائل الرئيسية، كأنه إعلان بالحاجة إلى أطر سياسية جديدة جامعة أكثر أهلية للتحدث باسم القضية الفلسطينية في لحظة تقرير مصائر. وهذا مؤشر على تحولات محتملة في البنية السياسية الفلسطينية من شأنها ان ترسم خطوطا حمرا جديدة تمنع أي مقايضة على القدس، أو تنازل عنها، وإلا فإن الثمن سوف يكون كبيرا.
بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
04/08/2017
2524